رئيس التحرير
عصام كامل

المجددون.. أبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة والجماعة

أبوالحسن الأشعري،
أبوالحسن الأشعري، فيتو

عن أبي هريرة، رضي الله عنه،  قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". 
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.

ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.

 

أبوالحسن الأشعري.. إمام أهل السنة والجماعة (260 هـ - 324 هـ) 


فقيهٌ مسلمٌ، أجمع المؤرخون على أنه أهم المجددين، إلى جانب ابن سريج، وقد ذكره ابن الأثير الجزري مجددًا بصفته أحد المتكلمين. واعتبره محمد الطاهر بن عاشور مجدد القرن الرابع لإنجازاته في تجديد علم الكلام. 
أسس أبو الحسن الأشعري المذهب الأشعري، ووضع أصوله بعد أن ابتعد عن مذهب المعتزلة الذي كان قد تبناه منذ طفولته. 
لقّبه العلماء بـ"إمام أهل السنة والجماعة"، اعترافا بما قدمه للفكر العقائدي السُّنِّي القائم على التوفيق بين العقل والنقل.

نسبه

هو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وكنيته أبو حسن. 
ينتمي إلى الصحابي الجليل، وهو جده الأكبر أبي موسى الأشعري، أحد الحكمين في موقعة صفين، ويعود نسبه إلى أسرة عربية نبيلة من اليمن.

مولده

ولد سنة مائتين وستين هجرية على الأرجح، وقيل سنة مائتين وسبعين هجرية، في البصرة بالعراق، ودرس فيها، ثم تابع دراسته في بغداد.

تتلمذ على يد شيخ المعتزلة أبي علي الجبائي.
نبغ الأشعري في علوم المعتزلة، واشتُهِر بقوة الجدال والمناظرة والعمق الفكري بجانب محافظتِهِ على النقل.
كان بارعا في علمِ الكلام، كما كان فقيها وعالما ومحدثا، اتسم بالميل إلى حياة الزهد والبساطة، بل كان متصوفا في أغلب سلوكه.

مؤلفاته

أضاف أبو الحسن الأشعري إلى المكتبة الإسلامية عدة مؤلفات، تصل إلى 90 كتابا، عارض من خلالها الفكر الاعتزالي، ودافع عن فكره ومعتقداته، ومن أشهر آثاره: "العمد" الذي ألفه سنة (320هـ)، و"مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين"، و"الردّ على المجسِّمة"، و"استحسان الخوض في علم الكلام"، و"الإبانة عن أصول الديانة"، و"مقالات الملحدين"، و"اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع".

فكر المعتزلة

المعروف أن الأشعري كان في بداية أمره مقتنعا بفكر المعتزلة، ودافع عن آرائهم، وساند التأويل العقلي وناظر في الفكر الاعتزالي، وظل على هذه الحال إلى أن وصل لسن الأربعين ثم انقلب على المعتزلة، وشنّ عليهم حملةً شعواء، مؤكّدًا ضرورة التمسك بكتاب الله وسنَّة رسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وما رُوي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث.

إعلان تمسكه بالأشعرية

أعلن أبو الحسن رأيه صراحة أمام الملأ، وأشهد الناس عليه أنه تبرَّأ من الاعتزال، وانخلع من كل ما كان يعتقده من قبل، ثم انخلع من ثوب كان عليه، وألقى بكل الكتب التي كان قد ألفها في الفكر الاعتزالي بعد أن طعن فيها، مما يدل على أن الأشعري كان قد ألَّف على مذهبهم مجموعة من الكتب.

وحول الأسباب التي تتحدث عن تحول الأشعري من الاعتزال إلى مذهب أهل السنة، هناك أكثر من رواية. 
ولعل أرجحها رواية ابن عساكر: "إن الأشعري تحير في المسائل التي لم يجد لها جوابا شافيا عند المعتزلة، فسأل الله أن يهديه إلى الطريق المستقيم ثم نام، فرأى الرسول، صلى الله عليه وسلم، في المنام، فقال له: عليك بسنتي، فلما استيقظ، رجع إلى الكتاب والسنة".

الاستقراء والتصنيف والاستنتاج

أقام الأشعري مذهبه على عدة أسس، أولها: منهج "الاستقراء"، ثانيا: "التصنيف"، ثالثا: "الاستنتاج"، رابعا: "الحكم"، خامسا: "الرد على الخصوم"، سادسا: "تقرير مذهبه".
وعرض أصول المعتزلة الخمسة بالتفصيل، ثم تفرغ بعد ذلك للرد عليهم في المسائل المشهورة التي خالفهم فيها، وهي الصفات، والقدر، والسمعيات، وعدم تكفير العاصي.

ويقول الأشعري في تقديم مذهبه الذي يعتبره مذهب أهل السنة والجماعة: "فهذه جملة ما يأمر به أهل السنة والجماعة ويستعملونه ويرونه، ونحن بقولهم نقول وإليه نذهب، وجملة (ملخص) ذلك: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله، لا يردون أهل (السنة)..".

ويشرح موقفه العقدي من "مسألة الصفات"، فيقول: "... وأن أسماء الله لا يقال: إنها غير الله.. كما قال المعتزلة والخوارج، وأقروا (أهل السنة) بأن لله علما، كما قال: "أنزله بعلمه"، وكما قال: "وما تحمل كل أنثى، ولا تضع إلا بعلمه"، و"أثبتوا (أهل السنة) السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، وأثبتوا لله القوة، كما قال تعالى: "أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة"، وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير وشر إلا ما شاء الله، وإن الأشياء تكون بمشيئة الله، كما قال عز وجل: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله"، وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لا يكون، وقالوا (أهل السنة) إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله: أي الله...".

قضية "القدر"

ثم يواصل الأشعري توضيح عقيدته على غرار أهل السنة والجماعة بخصوص قضية "القدر"، وما يتعلق بها من وعد ووعيد وخير وشر وصلاح وإصلاح، فيقول: ".. وأن سيئات العباد يخلقها الله، وكذلك أعمالهم، وأن الله وفق المؤمنين لطاعته، وخذل الكافرين، ولطف بالمؤمنين وأصلحهم، وهداهم ولم يلطف بالكافرين، ولو أراد لفعل ولكنه طبَع على قلوبهم، وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره".

وهذا ردٌّ صريحٌ على المعتزلة حين ينسبون الفعل للعبد. وبخصوص رده على من يقول بخلق القرآن، حيث يؤكد معتقدا على غرار أهل السنة فيقول: "..ويقولون (أهل السنة) أن كلام الله غير مخلوق..".
ثم يرد الأشعري على من يقول بعدم رؤية الله يوم القيامة، فيقول: "ويقولون (أي أهل السنة) إن الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمرُ ليلة البدر، يراه المؤمنون، ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون..".

تكفير صاحب الكبيرة

ويرد على من يكفِّر صاحب الكبيرة كالخوارج، فيقول: "ولا يكفِّر أهلُ السنة أحدا بذنب يرتكبه.. والإسلام عندهم (أهل السنة) غير الإيمان". 
وهذا القول عكس فكر المرجئة الذين يقولون: يكفي أن يكون الإنسان مؤمنا، ولو بلا قيامه بالأعمال المتمثلة في أركان الإسلام، بينما نرى الأشعري هنا يقرر أن الإسلام إيمان وعمل وسلوك.

ثم يختتم الأشعري مذهبه في العقيدة، بقوله: "فهذه جملة ما يأمر به أهل السنة ويستعملونه ويرونه، ونحن الأشعري نقول ما ذكرنا من قولهم، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبه نستعين، وعليه نتوكل، وإليه المصير".

استمسك أبو الحسن الأشعري بالدفاع عن السنة ضد خصومه إلى أن توفى في بغداد، ودفن فيها سنة ثلاثمائة وأربع وعشرين هجرية، على أرجح الروايات.

إشادات العلماء به

وصفه ابن عساكر: بأنه "... المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة الجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة".

وقال عنه ابن خلدون: "... ولما ظهرت بدع القول بنفي الصفات الواردة في القرآن، والقول بخلق القرآن وغيرهما مما يخالف أئمة السلف الذين شرد الكثير منهم حتى أصبح الأمر فتنة، انتهض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد، دفعا لتلك البدع، وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري إمام المتكلمين، فتوسط بين الطرق.. ورد على المبتدعة في ذلك كله، وجادلهم فيما مهدوه لهذه البدع..".

موقف أصحاب المذاهب والصوفية

أما عن موقف العلماء والصوفية من الأشعري، فهو كان سببا في جمع كلمة المسلمين بعد تفرق وصراع وحروب.. ولما انتشرت طريقته، وذاع صيته، حاول كل مذهب ضمه إلى مذهبه، فزعم الشافعية أنه كان على مذهب الشافعية، وادعى بعضُهم أنه مالكيٌّ، وقال جماعةٌ إنه نشأ على مذهب أبي حنيفة... كما تبنى الصوفية في القرن الرابع والخامس والسادس مذهبه في الكلام ودافعوا عنه في محنته التي تعرض خلالها للسب على المنابر".


وقال فيه الصوفيُّ عبد الكريم بن هوزان القشيري: "اتفق أصحاب الحديث على أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، كان إماما من أئمة أصحاب الحديث، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد أهل الزيغ والمبتدعة، وكان على المعتزلة والروافض المبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة سيفا مسلولا..".
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية