ترامب والعد التنازلي للديمقراطية الأمريكية
خلال الأعوام الخمس الماضية قد بات معتادًا تصنيف الولايات المتحدة كأحد الدول التي تعانى ديمقراطيتها من أزمة أو تحدي أو تدهور في كل تقارير مؤسسات مراقبة الديمقراطية في العالم. وهذا بلا جدال أحد أهم مفارقات أو مفاجأت القرن الحادي والعشرين الرئيسية.
وبطبيعة الحال، أصبح التدهور الديمقراطي الأمريكي قرينًا بصعود ترامب أو الترامبية الشعبوية. وقد يتبدى للبعض أن صعود ترامب المفاجئ في الحياة السياسية الأمريكية قد أخذ بالديمقراطية الأمريكية إلى هذا المنعطف الخطير-وهذا بالطبع صحيح- لكن ما هو أبعد من ذلك، أن صعود ترامب بالأساس وتوسع قاعدته الشعبية إلى حد انتصاره الكاسح الأخير، إنما هو انعكاس بأن الديمقراطية الأمريكية ذاتها هي التي تعانى من أزمة.
بصيغة أخرى، تصعد وتزدهر التيارات المعادية في أساسها للديمقراطية خاصة التيارات الشعبوية والتي يمثل ترامب أحد أهم رموزها التاريخيين على واقع أزمة عميقة، وفى الديمقراطيات الغربية التي تشهد صعود مدوي لليمين المتطرف والشعبوى، الأزمة هي النموذج الليبرالي.
وتتخلص الأزمة باختصار في التداعيات-التي يرتأى البعض بأنها سلبية أو مفرطة- للنموذج الليبرالي من تنامى مرعب لأعداد اللاجئين والأجانب في الدول الغربية، مما أنشى ما يسمى هاجس فقدان الهوية. والسقوط الواسع لملايين الأوروبيين والأمريكان في براثن الفقر والبطالة والتضخم بسبب التجارة الحرة والعولمة الاقتصادية دون فرض حمائية.
حيث سمح ذلك على سبيل المثال بخروج معظم الشركات الأمريكية الرائدة خاصة في المجال التكنولوجي إلى الأسواق الآسيوية للتمتع بالإعفاءات الضريبية والعمالة الرخيصة.
يستغل الشعبويين الذين صعودا عبر الانتخابات، والمناخ الديمقراطي عموما لعمل تقويض منهجي للديمقراطية خاصة للمؤسسات الديمقراطية، وسط تأييد أو دعم شعبي. بدأ ترامب في ولايته الأولى بتقويض-لا نقل متعمدًا- للديمقراطية الأمريكية، قد تجلى في تعيين قضاه في المحاكم الفيدرالية ذات ميول شعبوية أو داعمين لأفكاره، فضلا عن هجومه المستمر على القضاة مشككا في نزاهته.
ترامب أيضا سعى إلى تقويض صلاحيات وعمل الكونجرس، بالإضافة إلى هجومه المستمر عليه. فعلى سبيل المثال، أعلن حالة الطوارئ عندما رفض الكونجرس مقترحه ببناء جدار مع المكسيك.
والشق الأخطر على الإطلاق هو مناخ الانقسام والعنصرية الذى كرسه ترامب عبر قوانين وسياسات شديدة التطرف، وخطابات علانية كريهة ضد المؤسسات والمهاجرين والسياسيين خاصة من الحزب الديمقراطي، وهو ما أفضى إلى تنامى العنصرية والتطرف والعنف تجاه جميع الأقليات من دون البشرة البيضاء خاصة المسلمون والسود.
وكانت المحطة الأخيرة الفاصلة في نهاية ولاية ترامب هو تشكيكه في نتائج الانتخابات التي خسرها وهو ما يخالف العرف الديمقراطي الراسخ النزيه للانتخابات الأمريكية، وحشد داعميه للاحتجاج عليه، مما أسفر اقتحام مبنى "الكابتول" في مشهد لا ينسى في ذاكرة الإنسانية.
وفي ولاية ترامب الثانية يتبدى بجلاء نهج ترامب المتعمد في تقويض الديمقراطية الأمريكية متسلحا بفوزه وشعبيته الجارفة، حيث استهل ولايته الثانية بالعفو عن جميع الذين اقتحموا مبنى "الكابتول" المدانون بالإرهاب والتعدي على المؤسسات.
ويمكن القول أن تقويض ترامب للديمقراطية قد بدأ حتى قبل تسلم ولايته رسميا، حيث بدأ في مفاوضات خارجية مخالفة للعرف الديمقراطي الأمريكي.
أصدر ترامب منذ ولايته الثانية أو خلال شهرًا واحدًا فقط عشرات الأوامر التنفيذية شملت قضايا متعددة، وأصدرها دون تشاور مع الكونجرس والهيئات البيروقراطية الأخرى، ومعظمها مخالف للدستور الأمريكي. حيث بات يتصرف-وفقا للتقارير الدولية- وكأنه حاكم شمولي في دول العالم الثالث.
يستهدف ترامب المؤسسات الأمريكية بالدرجة الأولى، وفي ذلك اتخذ خطوة خطيرة تجلت في فصل العشرات من الموظفين مخالفة للدستور الأمريكي، والإعلان عن حل وزارة التعليم، بذريعة ترشيد النفقات ورفع الكفاءة الإدارية. وفي ذات الشأن، يتوقع المراقبين عزم ترامب على تفريغ المؤسسات الأمريكية خاصة القضاة من غير الموالين واستبدالهم بالمواليين الأكثر تشددا في الحزب الجمهوري، حيث أصبح الطريق ممهد له بعد استحواذه على أغلبية الكونجرس.
وبطبيعة الحال سيواجه ترامب صراعًا خاصة مع المؤسسات الكبيرة حول تقويض دورها؛ لكن يبدو أن ترامب في طريقه لإنجاح نهجه التفويضي بصورة كبيرة. ويعزو ذلك بصورة أساسية إلى حالة الاستقطاب الشديدة حتى داخل المؤسسات الأمريكية التي نجح ترامب في تكرسيها. فقد أصبح لترامب مئات الداعمين له داخل كل المؤسسات الأمريكية.
وفي النهاية، صعد ترامب أو الترامبية على واقع أزمة عميقة تعانى منها الديمقراطية الأمريكية، حيث باتت مكروه لدى أكثر من نصف الأمريكيين، وسينجح ترامب في استكمال تقويض الديمقراطية الأمريكية بفضل هذا الدعم الشعبي المتنامي الذى يرى أو الولايات المتحدة تم اختطافها من قبل المؤسسات والسياسيين وأصحاب البشرة الملونة من كافة الخلفيات والعرقيات.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا