كيف كان يفكر جمال عبد الناصر استراتيجيًّا؟
التقيت خلال هذا الأسبوع مصادفة بصديق حبيب وغالي من أحد الأقطار العربية، وصديقي الذي يزور مصر أحد القيادات الكبيرة في بلده، ونجم بارز من نجوم الثقافة العربية المنتمي قولًا وفعلًا لمحور المقاومة، ولأنه محب وعاشق للمقاومة فقد قررت التفرغ تمامًا لصحبته خلال زيارته لمصر..
فمنذ الوهلة الأولى وصديقي يحدثني عن الضربات القاسمة التي كسرت قلوبنا، وكانت البداية باستشهاد سماحة السيد حسن نصر الله، ثم السقوط المروع لسورية العربية أخر قلاع الصمود في مواجهة العدو الصهيوني، لكن ورغم الألم كان دائمًا هناك أمل..
وهنا تحدثت لصديقي عن رجال الله في الميدان، الذين يتعلقون بروح سيدهم كما ذكر صديقنا المفكر العربي اللبناني الكبير ناصر قنديل، وبذكر الأستاذ ناصر قال صديقي أن كتابه: حزب الله فلسفة القوة، يعد أهم وأعظم ما كتب عن هذه التجربة المقاومة الفريدة..
وقال كنت أتمنى أن أحصل على نسخة ورقية من الكتاب، وفي اليوم التالي فاجأته بنسخة من نسختين أحتفظ بهما في مكتبتي كان الأستاذ ناصر قد أهداهما لي في زيارته للقاهرة قبل خمس سنوات، وقمنا بإعادة القراءة من جديد والمناقشة والاستمتاع وتجديد الأمل في محورنا المقاوم.
ويوم الاثنين وأثناء اصطحابي لصديقي لمناقشة رسالة ماجستير أشرف عليها، مررنا من أمام ضريح الزعيم جمال عبد الناصر، فخرجت الكلمات بشكل عفوي السلام عليك يا سيدنا المقاوم الكبير، وبعد قراءة الفاتحة على روحه الطاهرة، تطرقنا للفكر الاستراتيجي للزعيم الذي تحل علينا ذكرى ميلاده 107..
وكان تأكيدنا أنه الزعيم الاستثنائي في تاريخ وحياة المصريين والأمة العربية، بل لا نبالغ إذا قلنا في التاريخ العالمي في الفترة التالية مباشرة للحرب العالمية الثانية، وأكد صديقي الذي عاش لفترات طويلة في الغرب أنه كان فخورًا بأنه عربي ولم يكن يقابله أحد إلا ويسأله هل أنت عربي؟
فيقول نعم فيرد السائل ناصر فالانتماء في تلك المرحلة كان للعروبة التي كان رمزها الأعلى جمال عبد الناصر، وبرحيل ناصر تراجعت العروبة وبرزت القطرية، فيقول صديقي الآن حين يسأل أي عربي في الغرب من أين أنت ؟ يكون الرد من لبنان أو الأردن أو البحرين.
ونتيجة الأخطار المحدقة بالأمن القومي المصري في اللحظة الراهنة تحدثنا عن الرؤية الاستراتيجية للأمن القومي في فكر جمال عبد الناصر، وهي الرؤية التي ترتكز على استيعاب الرجل لحقائق التاريخ والجغرافيا حيث قدم رؤيته للأمن القومي المصري في كتابه فلسفة الثورة، وكان ذلك في عام 1954 حيث أكد على أن الأمن القومي المصري يتطلب النظر بعيدًا عن حدودنا الجغرافية وهذا ما يؤكده التاريخ.
وبناءً على القراءة العميقة للوقائع التاريخية والإدراك الحقيقي للموقع الجغرافي المتميز لمصر في قلب العالم قدم جمال عبد الناصر رؤيته للأمن القومي المصري والتي تعرف بنظرية الدوائر الثلاث، وهي الدوائر التي تمكن مصر من الحفاظ على أمنها القومي من ناحية وضمان الحفاظ على مكانتها كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في محيطها الحيوي والعالمي..
والدائرة الأولى هي الدائرة العربية التي تحيط بنا وترتبط مصالحنا بمصالحها وتاريخنا بتاريخها، والدائرة الثانية هي الدائرة الإفريقية التي نحن جزءً منها ونستمد منها شريان حياتنا وهو نهر النيل، والدائرة الثالثة هي الدائرة الاسلامية التي تربطنا بها العقيدة وحقائق التاريخ.
وبالطبع هذه الرؤية هي التي حكمت سياسات جمال عبد الناصر الخارجية، حيث أصبح مشروع القومية العربية أحد الركائز الأساسية للحفاظ على الأمن القومي المصري، فكان سعيه الدائم لدعم حركات التحرر الوطني في البلدان العربية، ومساندة الثوار، ومحاربة الأنظمة العميلة للاستعمار، والسعي لإقامة الوحدة العربية..
ولم يتوقف جمال عبد الناصر هنا بل قام بدعم حركات التحرر الافريقية، وساهم في إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963 وجعل مقرها أديس أبابا العاصمة الإثيوبية، وأقام شركة النصر للتصدير والاستيراد التي مارست نشاطات اقتصادية واسعة داخل القارة الإفريقية..
وعلى مستوى العمل الإسلامي قام بإنشاء مدينة البعوث الإسلامية في عام 1954 لإقامة وإعاشة الطلاب الوافدين من الدول الإسلامية للدراسة بالأزهر الشريف، وفي عام 1960 تم إنشاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ثم تبعه في عام 1961 إنشاء مجمع البحوث الإسلامية لبحث ودراسة كل ما يتصل بالقضايا الاسلامية، وفي عام 1964 أنشأ إذاعة القرآن الكريم، وفي عام 1969 ساهم في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي في الرباط بالمغرب.
وقد أدت رؤية جمال عبد الناصر الاستراتيجية للأمن القومي المصري عبر الدوائر الثلاث العربية والإفريقية والإسلامية إلى الحفاظ على الأمن القومي المصري ومنع أي تهديد له سواء من قبل الدول العربية أو الإفريقية أو الإسلامية التي تمثل محيطنا الحيوي لارتباطنا بهم جغرافيا وتاريخيا.
وخلال العقود الأربعة التالية لرحيل ناصر انسحبت مصر من محيطها الحيوي وتقزم دورها وانكمشت مكانتها كقوة إقليمية عظمى، وعندما هبت رياح الربيع العربي المزعوم وجدنا أنفسنا في مواجهات داخل حدودنا الجغرافية وخاض جيشنا الباسل معارك مباشرة، فعبر حدودنا الشرقية عبرت إلينا جحافل الجماعات التكفيرية الإرهابية، بعد أن أخذت إشارة البدء من العدو الأمريكي لتنفيذ الجزء الخاص بمصر في مشروع الشرق الأوسط الكبير، ودارت معارك شرسة على كامل جغرافية سيناء..
ومازال التهديد اليوم مستمر عبر العدوان الصهيوني على غزة والذي يعلن بكل بجاحه أنه يسعى لتهجير سكانها وتوطينهم بسيناء، وهناك وعبر البوابة الغربية أصبحت الأرض العربية الليبية مسرحًا لصراع دولي يسعى لسرقة ونهب ثرواتها وبالطبع استخدمت القوى الدولية المتصارعة العديد من المليشيات الإرهابية المسلحة وهو ما يهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر..
ومن الجنوب جاء التهديد من منابع النيل شريان الحياة للمصريين حيث إنتهز العدو الصهيوني الفرصة وأقنع إثيوبيا بإقامة سد النهضة للتأثير على حصة مصر التاريخية في مياه النيل، وهو تهديد مباشر للأمن القومي المصري، تواجهه مصر الآن في محاولة للحفاظ على حق شعبها التاريخي، هذا إلى جانب ما يحدث في السودان الشقيق.
وفي ختام حديثنا أكدنا على ضرورة وحتمية إحياء رؤية جمال عبد الناصر الاستراتيجية للأمن القومي المصري، فالتخلي عن نظرية الدوائر الثلاث هو ما أوصلنا لهذه المرحلة من التهديد المباشر لأمننا القومي، فيجب العودة للعمل على لم الشمل العربي كمقدمة لإحياء المشروع القومي العربي..
فما حدث في غزة ولبنان وسورية خلال الأيام الماضية ومن قبله في السودان وليبيا واليمن والعراق يجعلنا على يقين بأن الوحدة ضرورة وفرض عين، ولابد من مد الجسور مع الدول الإفريقية لإعادة العلاقات لسابق عهدها عندما كانت الدول الإفريقية لا يمكن اختراقها للإضرار بالمصالح المصرية..
وحتما يجب النظر في علاقاتنا بالدول الإسلامية والبحث عن وسائل لتوطيدها، فحقائق التاريخ وواقع الجغرافيا يقول أنه لا أمن بعيدًا عن هذه الدوائر، التي يمكن من خلالها عودة مصر للقيام بدورها كقوى إقليمية عظمى لها وزنها وكلمتها المؤثرة في محيطها الحيوي والعالم، ذلك الدور الذي يطوق إليه كل مصري وعربي عاشق لمصر، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا