رئيس التحرير
عصام كامل

العبادلة.. رموز العلم والفقه في صدر الإسلام (ابن الزبير أول مولود في الهجرة)

عبد الله بن الزبير،
عبد الله بن الزبير، فيتو

تطلق تسمية "العبادلة" على أربعة من صغار الصحابة اشتهروا بالعلم الغزير، والفقه، وكانوا مدار العلم والفتيا والرواية عنهم لتأخر وفاتهم، وهم:  عبد الله بن عباس بن عبد المطلب.. عبد الله بن الزبير بن العوام..  عبد الله بن عمر بن الخطاب..  عبد الله بن عمرو بن العاص.

 


( 4 ) عبد الله بن الزبير


رابع "العبادلة" هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي.
ولد عام الهجرة، وكان أول مولود للمسلمين بالمدينة المنورة، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صغير، وكانت خالته السيدة عائشة، رضي الله عنها، تُعنَى به وتتعهده، حتى كنيت باسمه، فكان يقال لها: أم عبد الله؛ لأنها لم تنجب ولدًا، وكان من شجعان الصحابة، وانشغل بالجهاد فلم يُكثر من الرواية، وكان لا ينازع في ثلاثة: الشجاعة والعبادة والبلاغة، وكان يكنى بأبي بكر.

وكان عبد الله بن الزبير رجلًا شجاعًا مثل أبيه، كان كذلك من طفولته، حتى أنه ذات مرة دعا النبى الصبية ليعلمهم فتراجعوا وأقدم عبد الله، فقال صلى الله عليه وسلم "هو ابن أبيه".

قدّر لعبد الله بن الزبير أن يهاجر مع المهاجرين وهو لم يخرج إلى الدنيا بعد.

وما كادت أمه ذات النطاقين، أسماء بنت أبى بكر الصديق، رضي الله عنهما، تبلغ قباء عند مشارف المدينة، حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين إلى أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من أصحاب رسول الله !!

أول مولود في الهجرة

وحُمل أول مولود في الهجرة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في داره بالمدينة فقبّله وحنّكه، وكان أول شيء دخل جوف عبد الله بن الزبير ريق الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم.
وأذَّن الصديق فى أذنه حين ولد، وطاف به فى المدينة ليشتهر أمر ميلاده على خلاف ما زعمت اليهود.
واحتشد المسلمون في المدينة، وحملوا الوليد في مهده، ثم طوّفوا به في شوارع المدينة كلها مهللين مكبّرين.

ذلك أن اليهود حين نزل الرسول وأصحابه المدينة كُبتوا واشتعلت أحقادهم، فأشاعوا أن كهنتهم قد سحروا المسلمين وسلطوا عليهم العقم، فلن تشهد المدينة منهم وليدا جديدا.

فلما أهلّ عبد الله بن الزبير، كان وثيقة دمغ بها القدر إفك يهود المدينة وأبطل كيدهم وما يفترون.

وعندما انتقل رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، إلى بارئه لم يكن عبد الله قد بلغ مبلغ الرجال.

بطولاته

ولكنه حقق بعد ذلك بطولات ضخمة، ففي فتح إفريقية والأندلس، والقسطنطينية.. كان وهو لم يجاوز السابعة والعشرين بطلا من أبطال الفتوح الخالدين.

وفي معركة إفريقية بالذات وقف المسلمون في عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشه مائة وعشرون ألفا.. ودار القتال، وغشي المسلمين خطر عظيم.

وألقى عبد الله بن الزبير نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوتهم. وما كان هذا المصدر سوى ملك البربر وقائد الجيش، يصيح في جنوده ويحرضهم بطريقة تدفعهم إلى الموت دفعا عجيبا.

وأدرك عبد الله أن المعركة الضارية لن يحسمها سوى سقوط هذا القائد العنيد.
فنادى بعض إخوانه، وقال لهم: "احموا ظهري، واهجموا معي".

وشق الصفوف المتلاحمة كالسهم صامدا نحو القائد، حتى إذا بلغه، هجم عليه في كرّة واحدة فهوى، ثم استدار بمن معه إلى الجنود الذين كانوا يحيطون بملكهم وقائدهم فصرعوهم.. ثم صاحوا "الله أكبر".

ورأى المسلمون رايتهم ترتفع، حيث كان يقف قائد البربر يصدر أوامره ويحرّض جيشه، فأدركوا أنه النصر، فشدّوا شدّة رجل واحدة، وانتهى كل شيء لصالح المسلمين.

وعلم قائد الجيش عبد الله بن أبي سرح بالدور العظيم الذي قام به ابن الزبير فجعل مكافأته أن يحمل بنفسه بشرة النصر إلى المدينة وإلى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

عبادته

أما عن عبادته، فقد قال عمر بن عبد العزيز يوما لابن أبي مليكة: صف لنا عبد الله بن الزبير.. فقال: "والله ما رأيت نفسا رُكِّبت بين جنبين مثل نفسه.. ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليها.. وكان يركع أو يسجد، فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله،لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جدارا، أو ثوبا مطروحا.. ولقد مرّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي، فوالله ما أحسّ بها ولا اهتز لها، ولا قطع من أجلها قراءته، ولا تعجل ركوعه".

وقال حماد بن زيد، عن ثابت البنانى قال: كنت أَمُرُ بعبد الله بن الزبير وهو يصلى خلف المقام كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك.
وقال الأعمش: عن يحيى بن وثاب: كان ابن الزبير إذا سجد وقعت العصافير على ظهره تصعد وتنزل لا تراه إلا جذم حائط.
وقال غيره: كان ابن الزبير يقوم ليله حتى يصبح، ويركع ليله حتى يصبح، ويسجد ليله حتى يصبح.
وقال بعضهم: ركع ابن الزبير يوما فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه.
وقال الحميدي: عن سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلى كأنه غصن شجرة يصفقها الريح، والمنجنيق يقع هاهنا وهاهنا.
قال سفيان: كأنه لا يبالى به ولا يعده شيئا.
سئل عنه ابن عباس فقال، على الرغم مما كان بينهما من خلاف: "كان قارئا لكتاب الله، متبعا سنة رسوله.. قانتا لله، صائما في الهواجر من مخافة الله.. ابن حواريّ رسول الله.. وأمه أسماء بنت الصديق.. وخالته عائشة زوجة رسول الله.. فلا يجهل حقه إلا من أعماه الله ".

خلق عبد الله بن الزبير

وعن قوة خلقه وثبات سجاياه، فأثناء نزاعه مع الأمويين زاره الحصين بن نمير قائد الجيش الذي أرسله يزيد لإخماد ثورة بن الزبير.. إثر وصول الأنباء إلى مكة بموت يزيد.

وعرض عليه أن يذهب معه إلى الشام، ويستخدم الحصين نفوذه العظيم هناك في أخذ البيعة لابن الزبير.. فرفض عبد الله هذه الفرصة الذهبية، لأنه كان مقتنعا بضرورة القصاص من جيش الشام جزاء الجرائم البشعة التي ارتكبها رجاله خلال غزوهم للمدينة.

وعندما هاجمه الحجاج بجيشه، وفرض عليه ومن معه حصارا رهيبا، كان من بين جنده فرقة كبيرة من الأحباش، كانوا من أمهر الرماة والمقاتلين.

وسمعهم يتحدثون عن الخليفة الراحل عثمان، رضي الله عنه، حديثا لا ورع فيه ولا إنصاف، فعنّفهم وقال لهم: "والله ما أحبّ أن أستظهر على عدوي بمن يبغض عثمان" !!
ثم صرفهم عنه في محنة هو فيها محتاج للعون، حاجة الغريق إلى أمل!!
وضوحه مع نفسه، وصدقه مع عقيدته ومبادئه، جعلاه لا يبالي بأن يخسر مائتين من أكفأ الرماة، لم يعد دينهم موضع ثقته واطمئنانه، مع أنه في معركة مصير طاحنة، وكان من المحتمل كثيرا أن يغير اتجاهها بقاء هؤلاء الرماة الأكفاء إلى جانبه !!

وكان صموده في وجه معاوية وابنه يزيد بطولة خارقة حقا.

فقد كان يرى أن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان آخر رجل يصلح لخلافة المسلمين، بل لا يصلح على الإطلاق.. وهو محق في رأيه، فـ يزيد هذا كان فاسدا في كل شيء.. لم تكن له فضيلة واحدة تشفع لجرائمه وآثامه التي رواها لنا التاريخ.. فكيف يبايعه ابن الزبير؟!

 وأرسل إلى ابن الزبير يتوعده بشرّ مصير. هناك قال ابن الزبير: "لا أبايع السكّير أبدا".

وظل ابن الزبير أميرا للمؤمنين، متخذا من مكة المكرّمةعاصمة خلافته، باسطا حكمه على الحجاز، واليمن والبصرة والكوفة وخراسان والشام كلها ما عدا دمشق بعد أن بايعه أهل الأمصار جميعا..

ولكن الأمويين لا يقرّ قرارهم، ولا يهدأ بالهم، فيشنون عليه حروبا موصولة، يبوءون في أكثرها بالهزيمة والخذلان.

الحجاج.. السفاح

حتى جاء عهد عبد الملك بن مروان فانتدب لمهاجمة عبد الله في مكة واحدا من أشقى بني آدم وأكثرهم إيغالا في القسوة والإجرام..
هو الحجاج الثقفي الذي قال عنه الإمام العادل عمر بن عبد العزيز: "لو جاءت كل أمة بخطاياها، وجئنا نحن بالحجاج وحده، لرجحناهم جميعا".

ذهب الحجاج على رأس جيشه ومرتزقته لغزو مكة عاصمة ابن الزبير، وحاصرها وأهلها قرابة ستة أشهر مانعا عن الناس الماء والطعام، كي يحملهم على ترك عبد الله بن الزبير.

وتحت وطأة الجوع استسلم الأكثرون، ووجد عبد الله نفسه، وحيدا أو يكاد، وعلى الرغم من أن فرص النجاة بنفسه وبحياته كانت لا تزال مهيأة له، فقد قرر أن يحمل مسؤوليته إلى النهاية، وراح يقاتل جيش الحجاج في شجاعة أسطورية، وهو يومئذ في السبعين من عمره.

حوار تاريخي

ودار بين عبد الله وأمه.. العظيمة المجيدة أسماء بنت أبي بكر، حوار تاريخي، في تلك الساعات الأخيرة من حياته..

لقد ذهب إليها، ووضع أمامها صورة دقيقة لموقفه، وللمصير الذي بدا واضحا أنه ينتظره..

قالت له أسماء: "يا بنيّ: أنت أعلم بنفسك، ان كنت تعلم أنك على حق، وتدعو إلى حق، فاصبر عليه حتى تموت في سبيله، ولا تمكّن من رقبتك غلمان بني أميّة.. وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا، فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك".

قال عبد الله: والله يا أمّاه ما أردت الدنيا، ولا ركنت إليها وما جُرت في حكم الله أبدا، ولا ظلمت ولا غدرت..

قالت أمه أسماء: "إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا إن سبقتني إلى الله أو سبقتك.. اللهم ارحم طول قيامه في الليل، وظمأه في الهواجر، وبرّه بأبيه وبي.. اللهم إني أسلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبد الله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين".

استشهاده

وبعد ساعة من الزمان انقضت في قتال مرير غير متكافئ، تلقى الشهيد العظيم ضربة الموت، في وقت استأثر الحجاج فيه بكل ما في الأرض من حقارة ولؤم، فأبى إلا أن يصلب الجثمان، تشفيا وخسّة.

وقامت أمه، وعمرها يومئذ سبع وتسعون سنة، لترى ولدها المصلوب.

وكالطود الشامخ وقفت تجاهه لا تريم.. واقترب الحجاج منها في هوان وذلة قائلا لها: يا أماه، إن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا، فهل لك من حاجة؟

فصاحت به قائلة: "لستُ لك بأم.. إنما أنا أم هذا المصلوب على الثنيّة.. وما بي إليكم حاجة..ولكني أحدثك حديثا سمعته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "يخرج من ثقيف كذاب ومبير".. فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير، فلا أراه الا أنت".
وتقدم منها عبد الله بن عمر، رضي الله عنه، معزيا، وداعيا إياها الى الصبر، قأجابته قائلة: "وماذا يمنعني من الصبر، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل".
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية