الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة السيدة عائشة (2 – 4)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
شرَّف الله سبحانه أم المؤمنين عائشة بأن كانت آخر لحظات حياة سيّدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حُجرتها وعلى حِضنها؛ فعنها، رضي الله عنها، قالت: إنَّ مِن نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ: أنَّ رَسولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، تُوُفِّيَ في بَيْتِي، وفي يَومِي، وبيْنَ سَحْرِي ونَحْرِي، وأنَّ اللَّهَ جَمع بيْنَ رِيقِي ورِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ.
دَخَلَ عَلَيَّ عبدُ الرَّحْمَنِ (ابن أبي بكر)، وبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، وعَرَفْتُ أنَّه يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فأشَارَ برَأْسِهِ: أنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ، فَاشْتَدَّ عليه، وقُلتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فأشَارَ برَأْسِهِ: أنْ نَعَمْ فَلَيَّنْتُهُ، فأمَرَّهُ، وبيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أوْ عُلْبَةٌ -يَشُكُّ عُمَرُ- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ في المَاءِ فَيَمْسَحُ بهِما وجْهَهُ، يقولُ: "لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، إنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ"، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يقولُ: في الرَّفِيقِ الأعْلَى حتَّى قُبِضَ ومَالَتْ يَدُهُ، صلى الله عليه وسلم.. (أخرجه البخاري).
من فضائل عائشة
للسيدة عائشة فضائل كثيرة، ومنها أنها كانت أحبّ النساء لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ووالدها أحب الرجال إلى قلبه، وكانت البكر الوحيدة التي تزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وسأل عمرو بن العاص رسول الله: "أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ: عَائِشَةُ قُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قالَ أَبُوهَا".
وتزوّجها سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، بوحيٍ من السّماء، حيث رأى في المنام أنّ جبريل، عليه السلام، يُخبره أنّها زوجته.
علم السيدة عائشة
كانت السيدة عائشة مرجعًا علميًّا لكبار الصحابة وفقهائهم في السُّنَّة والأحكام والاستلال، والفرائض والحرام والحلال، وكانوا إذا أُشكِل عليهم شيء في الدين استفتوها فأفتتهم.
وقد روت رضي الله عنها عن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، كثيرًا من الأحاديث تجاوزت ألفي حديث، وروى عنها جَمْع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأبو هريرة، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم.
وروى عنها من التابعين عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعلقمة بن قيس، وعكرمة ومجاهد، والشعبي، ومسروق، وسعيد بن المسيب، وطاووس، وعلي بن الحسين، وابن أبي مليكة وغيرهم.
ومن النّساء عمرة بنت عبد الرحمن، ومعاذة العدوية، وعائشة بنت طلحة، وجسرة بنت دجاجة العامريّة، وحفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وخيرة أم الحسن البصري، وصفية بنت شيبة، وغيرهن.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: "ما أشكَل علينا -أصحابَ رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم- حديثٌ قطُّ فسأَلْنا عائشةَ إلَّا وجَدْنا عندَها منه عِلْمًا".. (أخرجه الترمذي)
وقال الحاكم في مستدركه: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْعِلْمِ وَالشِّعْرِ وَالطِّبِّ مِنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ".
النَّبي يدعو لعائشة، وجبريل يُقرئها السلام
عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، قالت: لَمَّا رأَيْتُ مِن النَّبيِّ ﷺ طِيبَ نفسٍ قُلْتُ يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ لي فقال: "اللَّهمَّ اغفِرْ لِعائشةَ ما تقدَّم مِن ذنبِها وما تأخَّر ما أسرَّتْ وما أعلَنَتْ"، فضحِكَتْ عائشةُ حتَّى سقَط رأسُها في حِجْرِها مِن الضَّحِكِ قال لها رسولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم: "أيسُرُّكِ دعائي؟"، فقالت: وما لي لا يسُرُّني دعاؤُكَ؟ فقال، صلى الله عليه وسلم: "واللهِ إنَّها لَدعائي لِأُمَّتي في كلِّ صلاةٍ".. (أخرجه ابن حبان)
وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "يا عائِشَ هذا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ قُلتُ: وعليه السَّلامُ ورَحْمَةُ اللَّهِ، قالَتْ: وهو يَرَى ما لا نَرَى، تعني النبي". (متفق عليه)
غيرة الزوجة المحبة لزوجها
أحبت عائشة سيدنا محمدا، صلى الله عليه وسلم، حبًّا لا يوصف، ملك عليها كل مشاعرها، وحواسها، فكانت، ككل نساء الأرض، تغار إذا شعرت بأن هناك من يزاحمها في هذا الحب. واعترفت بذلك، قائلة: "ما حسدت امرأةً قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي، صلى الله عليه وسلم، ببيت من قصب”.
وجاء في المسند عند أحمد بن حنبل، أن النبي، عليه الصلاة والسلام، ذكر خديجة مرة وأثنى عليها فأحسن الثناء، فقالت عائشة فغرت يوما، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين، قد أبدلك الله، عز وجل، بها خيرًا منها، فقال النبي، عليه الصلاة والسلام، بعد أن غضب كما جاء في بعض الروايات: "ما أبدلني الله، عز وجل" خيرًا منها؛ قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله، عز وجل، ولدها إذ حرمني أولاد النساء"، وفي رواية مسلم قال: "تلك التي قد رزقت حبها".
وشعرت السيدة عائشة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قد غضب، فقالت له: استغفر لى يا رسول الله، فقال: "استغفري لخديجة حتى أستغفر لك".
ولم تتوقف غيرة السيدة عائشة، رضي الله عنها، من السيدة خديجة، رضي الله عنها، بل كانت تغار أيضا من زوجات الرسول، صلى الله عليه وسلم، الأحياء.
روى أنس بن مالك، رضي الله عنه: "كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، في بيت عائشة، وكان لديه بعض الضيوف دعاهم إلى تناول الطعام فسمعت زينب بنت جحش بذلك، فأرسلت مع خادمتها صحفة فيها ثريد عليه ضلع شاة، وهو الطعام الذي تعرف أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يفضله على سائر الأطعمة الأخرى.
وما كادت عائشة ترى الصحفة في يد الخادمة حتى ضربتها بيدها فوقعت الصحفة على الأرض، وتناثر منها ما كان بها من طعام وانفلقت الصحفة، ودخلت عائشة تبكي في غرفتها.. أما الرسول الكريم الحليم، صلى الله عليه وسلم، فابتسم وقال لمدعويه: "غارت أمكم.. غارت أمكم...".. وجمع النبي، صلى الله عليه وسلم، فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة.. ثم طلب من الخادمة أن تبقى حتى أُتِيَ بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرَت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرت". (رواه البخاري).
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.