سوريا في انتظارِ الأَسوأ
رغمَ إجماعِ المُحَلّلينَ السياسيِّين في العالَمِ، على استحالةِ التنبُّؤِ بما هو قادمٌ في سوريا، إلا أنَّني على يقينٍ بأنَّ سلامةَ المُقَدِّماتِ دائمًا ما تضمنُ صحَّةَ النتائجِ، وأنَّ كل الشواهدُ على الأرض تُؤكِّدُ أنَّ سوريا والسوريِّينَ يَنْتَظِرُهُم ما هو أَسْوأ من قمعِ واستبدادِ نظامِ الأسدِ خلالَ الأيَّامِ القليلةِ المُقبِلةِ.
ولأنَّني لم أعتَدْ الحديثَ دونَ دَلائلَ، فسأكتفي هنا وبمنتهى الحياديَّةِ، برصدِ وتحليلِ عددٍ من المشاهدِ التي تُؤكِّدُ قَتامةَ المصيرِ الذي يَنْتَظِرُ سوريا والسوريِّينَ، ليس تعاطُفًا مع الأسدِ -الذي رأت الأغلبيَّةُ العظمى من السوريِّينَ في الإطاحةِ به انقضاءً لحقبةٍ من الظلمِ والطُّغيانِ- أو تحقيرًا من أبي محمَّدٍ الجولانيِّ -المتحكِّمِ الجديدِ في صناعةِ القرارِ في دمشقَ- ولكنْ ترسيخًا لواقِع تُؤكِّدُه الأحداثُ على الأرضِ.
وأبدأُ بالمشهدِ المُبْكِي للبيانِ الأوَّلِ الذي يُمَثِّلُ الواجهةَ لحُكَّامِ سوريا الجددِ، الذي أصدرَهُ الجولاني، وأذاعَهُ التليفزيونُ الرسميُ السوريُّ صباحَ الأحدِ، الثامنِ من مارسَ الماضي، والذي ظهرَ فِيهِ نحو عشرةِ أشخاصٍ، بعضُهُم يحملُ السلاحَ، في ثيابٍ رثَّةٍ أقربَ لهيئةِ عُمَّالِ التراحيلِ، وقد بدا عليهم جميعًا علاماتُ التطرُّفِ والجهلِ والعشوائيَّةِ.
وهو ما يُؤكِّدُ أنَّ مَن سيتحكَّمونَ في صناعةِ القرارِ، وتحديدِ مصيرِ الشعبِ السوريِّ خلالَ المرحلةِ المُقبِلةِ، ليسوا برجالِ دولةٍ يَمْتَلِكونَ من العلمِ واللباقةِ والدبلوماسيَّةِ ما يُؤهِّلُهُم لقيادةِ دولةٍ بالمعنى المُتعارَفِ عليهِ، ولكنْ جُهَلاءَ متطرِّفينَ، لا يَمْتَلِكونَ الحدَّ الأدنى من مبادئِ الاقتصادِ والسياسةِ.
المشهدُ الثاني، هو الخيارُ الأوَّلُ للجولانيِ، عندما قرَّرَ صباحَ الاثنينِ الماضي تعيينَ محمَّدِ البشيرِ رئيسًا لوزراءِ سوريا، على الرغمِ من أنَّ القراءةَ الأوَّليَّةَ للسيرةِ الذاتيَّةِ لرئيسِ الحكومةِ الجديدِ تُؤكِّدُ أنَّه نشأَ وتَرَعْرَعَ ودرسَ حتى نهايةِ المرحلةِ الثانويَّةِ في أحضان التطرُّفِين بمعقلِ الإرهابِ في إدلبَ.
وعادَ إليهِ في عامَ 2007 بعد أنْ أتمَّ دراسةَ الهندسةِ الكهربائيَّةِ بجامعةِ حلبَ، وانضمَّ لهيئةِ تحريرِ الشامِ، وظلَّ يتدرَّجُ في قيادتِها إلى أنْ أصبحَ أحدَ المُقرَّبينَ من الجولانيِّ، الذي عيَّنَهُ وزيرًا للتنميةِ والشؤونِ الإنسانيَّةِ في الحكومةِ الانفصاليَّةِ التي شكَّلَتْها الهيئةُ في إدلبَ عامَ 2022، وسيطرتْ على كاملِ مفاصلِ الحياةِ في المحافظةِ ومعها ريفُ حماةَ الشماليِّ وجزءٌ من ريفِ حلبَ الغربيِّ.
أي أنَّ محمد البشيرَ باختصارٍ، يَعْتَنِقُ الفكرَ التكفيريَّ المتطرِّفَ، وأعلنَ عن ذلكَ بوضوحٍ أمامَ العالمِ في اليومِ الأوَّلِ لتولِّيهِ منصبَهُ، عندما ظهرَ علنًا داخلَ مكتبِهِ بمقرِّ مجلسِ الوزراءِ، وهو يضعُ علمَ داعش على يمينِهِ والعلمَ السوريَّ الجديدَ على يسارِهِ، وهو ما يُنبِئُ بالكثيرِ مما يَنْتَظِرُ سوريا في ظلِّ حكومةٍ تكفيريَّةٍ جهاديَّةٍ متطرِّفةٍ.
المشهدُ الثالثُ والكارثيُّ، هو الاستهدافُ الإسرائيليُّ لجميعِ مواقعِ الجيشِ السوريِّ منذُ الدقائقِ الأولى لاستيلاءِ الجولانيِّ على السلطةِ، دونَ أنْ يُحَرِّكَ الأمرُ ساكنًا لهُ أو لميليشياتِهِ، على الرغمِ من توغُّلِ القواتِ الإسرائيليَّةِ في العُمقِ السوريِّ وتمركزِها على بُعدِ ثلاثةٍ وعشرينَ كيلومترًا من العاصمةِ دمشقَ، بل وتدميرِ كاملِ القواعدِ العسكريَّةِ، ومعها كاملِ الأسطولينِ الجوِّيِّ والبحريِّ ومخازنِ السلاحِ التابعةِ للجيشِ السوريِّ.
ولعلَّ ما يدعو للذهولِ حتى هذهِ اللحظةِ، أنَّ كارثةَ تدميرِ إسرائيلَ للجيشِ الوطنيِّ السوريِّ مرَّتْ على حُكَّامِ سوريا الجددِ ولا تزالُ، وكأنَّ الأمرَ لا يعنيهِم، دونَ أنْ يَجْرُؤَ الجولانيُّ أو أيٌّ من ميليشياتِهِ التي ترفعُ راياتِ الجهادِ منذُ سنواتٍ، على الردِّ ولوْ بطلقَةٍ واحدةٍ باتجاهِ تلِّ أبيبَ.
بلْ والأكثرُ كارثيَّةً، خروجُ الجولانيِ بتصريحٍ أول أمس قال فيه علنًا: "ليس لدينا أي نية للدخول في صراع مع إسرائيل"، بعد أن سبقه بتصريحِ أكثر استفزازًا قال فيه: "إنَّه ينظرُ في مصيرِ الجيشِ السوريِّ"، ما يؤكد أنَّ لا نية لدى تلك الميليشيا للدفاعِ عن الأمن القوميٍ السوري، وأنها تفكر جديًا في حلِّ وتسريحِ الجيشِ السوريِّ.
المشهدُ الرابعُ، هو الصمتُ المُريبُ للقوى الدوليَّةِ الأربعِ روسيا وإيران وتركيا وأمريكا المُتَحَكِّمَةِ في خيوطِ اللعبةِ على الأرضِ في سوريا منذُ سنواتٍ، على مثلِ هذا السيناريو البشعِ، والإلقاءِ بسوريا والسوريِّينَ إلى نفقٍ مظلمٍ لا نهايةَ لهُ سوى القتلِ والتدميرِ والدمارِ والخَرابِ، بأيدي ميليشياتٍ تكفيريَّةٍ، والاكتفاءِ بتصريحاتٍ جوفاءَ كاذبةٍ، تحملُ بينَ سطورِها رضا كاملًا عمَّا يتمُّ.
المشهدُ الخامسُ والأكثرُ مأساويَّةً، والغائبُ عن أذهانِ الجميعِ، أنَّ كلَّ القوى الدوليَّةِ التي سلَّمَتْ سوريا بمثلِ هذهِ السهولةِ، تعلمُ جيِّدًا، أنَّ الجزءَ الأكبرَ من قوامِ كلِّ الميليشياتِ المتطرِّفةِ والمُتناحرةِ على الأراضي السوريَّةِ من الأجانبِ، وأنَّ المواجهةَ فيما بينها واردةٌ بشكلٍ كبيرٍ، بحكمِ الاختلافِ في الفكرِ والتوجُّهِ والولاءِ وجهةِ الدعمِ، وهو ما يُنبِئُ بالمستقبلِ الذي قد تَنْحَدِرُ إليهِ سوريا خلالَ الأيَّامِ المُقبِلةِ.. وكفى.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا