نحن والأزمة والصندوق العالمي
نحن شعب يصنف من أعلى المعدلات العالمية من حيث معدلات النمو السكاني بنسبة تتراوح بين 2,5% إلى 2,7% سنويا، كما أن أزمتنا الاقتصادية متمثلة في وجود فجوة بين احتياجاتنا المالية والتنموية ونفقاتنا الاستهلاكية وما بين مواردنا من مصادرها المختلفة، تلك الأزمة تعيش معنا مثل المرض المزمن منذ سنوات طويلة.
وأيضا علاقاتنا مع صندوق النقد الدولى وقروضه وروشتاته المؤلمة علقم نتجرعه مع كل جولة من جولات الإصلاح الاقتصادى التى لم نجني ثماره إلا فى سنوات محدودة جدا، عبر تلك السنوات الطويلة كانت في النصف الأول من الحقبة التسعينية للقرن الفائت.
السؤال الأهم لماذا إصلاحنا لا يصلح الحال ونمونا لا يفلح على مر تلك السنوات الطويلة؟ واقع الحال كما يذكر تاريخ كتاب الإصلاح الاقتصادى المصرى أن بشائر الخير لم تزُرنا يوما وطفلنا الصغير لم يشب وينمو رغم بلوغه سن الأربعين..
لم يفلح معه لا مشروع مارشال العالمى بملياراته التى تجاوزت الخمسين مليار دولار مع إسقاط نصف ديوننا القديمة عبر اتفاقات نادى باريس وغيرها من مساعدات مالية مباشرة وغير مباشر فى بداية تسعينيات القرن الماضى، ولا مارشال العربى فى أعقاب جائحة الربيع العربى المقبور..
الأمر جد يحتاج إلى توقف وإعادة نظر والتساؤل أيضا لماذا لم نتخط أزمتنا كما أوروبا وقد خرجت دولها من تحت أنقاض حرب شاملة مدمرة كارثية.. لماذا لم ننمُ كما نمور آسيا الشرقية وقد اجتاحتها كذلك نيران الذري والهيدروجينى كمان.. هل الأزمة فينا أم فى مواردنا المحدودة كما يبلغنا رؤساؤنا حقيقة مع اشتعال الأزمة في كل مرة..
الحقيقة أن الناظر إلى أزمتنا الاقتصادية عبر كل تلك السنين سيجد من خلال مرآة اقتصادنا الوطنى متمثلة في موازنتنا العامة السنوية بأبوابها الثمانية المعروفة ومعدلات دخولنا المعيشية وبأسعارها العالمية يجد أنه لا شيء يتغير نفس الموارد المحدودة مصف المصروفات المحدودة، نفس الديون المتراكمة التى تلتهم ثلث إيراداتنا أو نصفها الآن..
سيجد نفس العجز الذى قاربت نسبته ربع الميزانية، فإلى أين نسير وروشتات الصندوق المريرة تلاحقنا كما الغول أو الفيل الأزرق في اللعبة القاتلة حديثا، وأين المفر؟
الشيء اللافت أن أزمتنا الآن ليست كما أزمتنا قبل بداية إصلاح التسعينيات أو ما بعدها في بداية الألفية الثالثة، أزمتها الآن أشد وذلك لأننا انتقلنا في تقديري من مرحلة إصلاح اقتصادى كان ذا طابع اجتماعى وبأيادى مصرية خالصة، إلى مرحلة إصلاح اقتصادى تنموى تشاركنا فيه أياد غريبة وتشاورنا حوله أصوات غريبة تغفل أو تتجاهل أى آثار اجتماعية قد تلحق بسواعد الإصلاح من أبناء جلدتنا..
كما أننا نغفل عدو متربص يقف عل الناصية يدمر جزءا غير يسير من مواردنا الحيوية في جوف البحار وعلى باب المندب، فأصبحنا فى واقع الحال كمن يبنى بنايات ليحرسها لا ليسكن فيها، ونصفنا إما جيوبه خاوية أو تحمل محفظة تنثر أوراقها المالية كل صباح بين أيادى البائعين، فلا تروى ظمأ ولا تسد رمقا، والمذياع ما زال يطلق صيحاته كل صباح الإصلاح يسير، والخير قادم، والمياه في طريقها لاجتياز عنق الزجاجة.. اللهم آمين.