الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة السيدة عائشة (3 – 4)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
عاشت السيدة عائشة، رضي الله عنها، وعن أبيها، مع زوجها العظيم، سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، حياة ملؤها الحب، والمودة، والإخلاص، والتسامح، والتضحية.
وكأي زوجة محبة مخلصة، كانت تتمنى أن تكون الأولى في قلب زوجها، ولذا تسلل الشعور بالغيرة إلى قلبها أحيانا.
في إحدى الغزوات أجريت القرعة بينهن لاختيار من تصاحبه فوقعت القرعة على عائشة وحفصة.. وذات ليلة دفعت الغيرة عائشة لتعرف ما يتلطف به الرسول مع الأخريات. فاستبدلت بعيرها ببعير حفصة، وجاء الرسول إلى بعير عائشة فوجد عليه حفصة، فراحت عائشة تقترب وتتسمع لتعرف ما سعت إليه. وأدرك الرسول هذا. وأراد أن يلقي عليها درسًا، فتظاهر أنه لم يدرك ما فعلته عائشة، ودخل خيمة حفصة وبات فيها،
وظلت الغيرة تنهشها حتى أنها مشت حافية عارية القدمين على أعشاب الصحراء وهي تتمنى، كما قالت بعد ذلك، أن يخرج إليها عقرب لتلدغها..!!
وقالت عائشة رضي الله عنها: "لما كانت ليلتي التي كان النبي، صلى الله عليه وسلم، فيها عندي, وظن اني قد رقدت فخرج، فانطلقت على اثره، وقد ظننت أنه ذهب الى إحدى نسائه فتبعته، حتى جاء البقيع، ثم انحرف فانحرفت فاسرع وأسرعت, وهرول فهرولت فسبقته..
فدخل فقال: مالك ياعائش يخفق صدرك كثيرا؟! فاخبرته... فقال: أظننتِ أن يحيف الله عليك ورسوله؟! (رواه مسلم والنسائي).
ومما يؤكد شدة حبها لسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ قصة ترويها هي، قالت رضي الله عنها: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ علَى رَسولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَقالوا: السَّامُ علَيْكُم، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلتُ: وعَلَيْكُمُ السَّامُ واللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم،: "مَهْلًا يا عَائِشَةُ، إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأمْرِ كُلِّهِ"، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالوا؟ قَالَ رَسولُ اللَّهِ، صلى: "قدْ قُلتُ: وعلَيْكُم".. (متفق عليه)
حادثة الإفك
كانت السيدة عائشة، رضي الله عنها، بطلة لواحدة من أشهر الحوادث في التاريخ الإسلامي، وهي حادثة الإفك.
وكان من عادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا أراد الخروج في سفر من الأسفار أن يُقرع بين نسائه؛ من أجل أن تصاحبه في ذلك السفر؛ وذلك تطييبا لقلوبهنّ، فلما كانت غزوة بني المصطلق، خرجت القرعة من نصيب عائشة، رضي الله عنها، فاصطحبها معه في السفر، وسافرت معه في غزوة بني المصطلق، وسمّيت بغزوة المريسيع.
عن عائشة، رضي الله عنها: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَاب".
ذهبت عائشة، رضي الله عنها، مع الجيش، وفي أثناء العودة عسكروا في طريق ما من أجل أن يرتاحوا من العناء، فلما أرادوا الرحيل وأبلغوا الجيش بقرب المسير، مضت السيدة عائشة لتقضي حاجتها، وبعدت عن عيون الناس، وبينما هي في ذلك المكان فَقَدَتْ عقدها، فتأخّرت في البحث عنه فلم تجده، فلما رجعت إلى موضع الجيش وجدتهم قد ساروا وتركوها. وسبب تركهم لها؛ أنهم ظنوها في الهودج، فحمل الرجال الهودج، ولم يشعروا بعدم وجودها؛ بسبب نحول جسمها من قلة الطعام، فحمل الرجال الهودج ولم يشعروا بها، وجلست، رضي الله عنها، ترتقب رجوع الجيش إليها، ولم تبرح المكان، ثم غلبتها عينها، فنامت في ذلك المكان.
واستغرقت أمّ المؤمنين، رضي الله عنها، في نومها، ولم يوقظها إلا صوت صفوان بن المعطِّل، رضي الله عنه، وهو يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وكان صفوان كثير النوم، حيث تأخّر عن الجيش؛ لاستغراقه في النوم، فلما رآها عرفها؛ لأنه كان يراها قبل وجوب الحجاب، فاستيقظت من نومتها، فأناخ لها الجمل، وركبت وسار بها، حتى بلغا المدينة، ولم تكلّمه، ولم يكلّمها كلمة واحدة، حتى رجعا إلى المدينة.
استغل المنافقون هذه الحادثة، ووجدوها فرصة ينبغي استغلالها؛ من أجل النيل من عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتكلموا بأمّ المؤمنين وبصفوان، فنالوا من عرض رسول الله، والذي تولى نشر هذه القصة زعيم المنافقين عبدالله بن أُبيّ بن سَلول، وتلقّف المنافقون الخبر، وبثّوه بين الناس، حتى شاع وذاع.
بقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شهرًا والوحي لا يخبره شيئًا عن صدق أو كذب هذه الحادثة، فاستشار رسول الله الناس، ولا سيما أقرب الناس منه، والذين هم بمقام أهله، فاستشار عليًّا الذي رُبِّي في بيته، واستشار أسامة بن زيد الذي كان بمثابة الابن لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأثنى الناس على عائشة خيرًا، فأشار عليه علي بن أبي طالب أن يسأل الجارية؛ واسمها بريرة، فأثنت خيرًا.
وتوجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى عائشة، وطلب منها أن تصدقه الحديث، وقال لها: "فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ".
فأجابته ببراءتها، وقالت: "وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا، إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ: فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ".. فتيقّن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من براءتها.
بعد استقصاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن براءة عائشة، وثناء الناس عليها، وإثباتهم براءتها، نزل القرآن العظيم من ربّ العالمين يثني عليها، ويثبت براءتها، ويثبت عفتها وطهارتها، ويفضح الخائنين المتكلمين في عرضها.
تقول أم المؤمنين عائشة: "وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا، وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ... فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا، أَنْ قَالَ لِي: "يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ، فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ".
فنزل قول الله، تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ* لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.