نور وأمل رغم العوائق
من أشق الابتلاءات على النفس، بل وأعظمها صبرًا ورضًا عند احتمالها، الابتلاء بكف البصر، ومواجهة وحشة الحياة ورعونتها وقسوتها بلا عينين، فقط بعصا بيضاء، تتلمس طريق النور ولطف البشر.
أحاول قدر الإمكان تنبيه المحيطين بي لضرورة معاونة أشقائنا فاقدي وفاقدات الإبصار الذين يبتغون عملًا يتكسبون منه ويسعون جاهدين فى جلب أقواتهم، حتى لو كانت معاونتهم مجرد السير في الطرقات في زحام لا يطاق أو تجنيبهم الاحتكاك بعوائق مؤذية قد تكون خطرا على حياتهم.
بينما كنت أطالع صفحة الصديقة الدكتورة سحر شعبان، وهي بالمناسبة إحدى البطلات المحاربات للمرض الخبيث، والتي تبنت على عاتقها دعم المصابات بالمرض وغيرهن، والتي تعلمت منها معنى الصمود وتحمل الابتلاء بنفس راضية، لا تكل ولا تمل، مواصلة العمل بجد حتى تسير الحياة، أشارت الصديقة إلى استمتاعها بقضاء يوم في رحاب بناتنا فى جمعية النور والأمل لرعاية الفتيات الكفيفات.
ودخلت إلى صفحة الجمعية على موقع "فيس بوك" كي أتابع الاحتفالية التي أشارت إليها الصديقة الفاضلة، ووجدت عرضًا رائعًا للأزياء قامت به بناتنا الغاليات فاقدات البصر، في براعة ومهارة وتألق، فاق في روعته قدرة المبصرات، وكم كانت الملابس المعروضة غاية في الذوق الجميل وتناسب كل الاعمار، مع تألقهن البالغ في السير على ممشى ساحة العرض.
واسترعى انتباهي، خلال تقديم إحدى المسئولات بالجمعية، العارضات، إشارتها إلى إحداهن أنها تعانى من فقدان السمع والبصر معًا، ورغم ذلك لم تستسلم لعالمها الصامت، واختارت التحدي والاندماج في المجتمع، ونالت إعجاب واستحسان وتصفيق حضور العرض، كما نالت إعجاب وأمنيات المتابعين للبث المباشر للعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
توغلت فى صفحة الجمعية، وكم أدهشني صور المصنوعات الرائعة التى تتقنها بناتنا، مثل المشغولات اليدوية والمأكولات النظيفة المغلفة، ومصنعات الحلويات المنزلية، والمخللات والملابس الجاهزة، فضلًا عن تفوقهن الذي لا يضاهى في مشغولات البامبو..
ما حفزني على ضرورة زيارة مقر الجمعية والاستفادة من هذا الإتقان البالغ في الصناعة بمنتجات منه في منزلى، وتشجيع بناتنا المجتهدات على مزيد من العمل، إذ يحتاج المجتمع جهودهن وسعيهن الحثيث على الإنتاج والكسب وطاقتهن الدافعة للأمل، وسطر مزيد من الأسماء في لوحات شرف المبدعات.
ربما نغفل أحيانًا أن مجرد السير على قدمين ونحن نسمع ونرى، هو قمة النعم التي ربما يتمنى غيرنا جزءًا بسيطًا منها، غيرنا هذا الذي لم يندب حظه ولم يلعن أقداره، بل رضي واختار اجتياز الامتحان الإلهي ثم تفوق فيه بنجاح، وانطلق على طريق التحدي إلى محاذاة مكتملي الحواس لا ينقصه عنهم شيئا، بل زاد عليهم تفوقًا وتألقًا وإبداعًا.. سلمت أيادي بناتنا الطاهرة.. عاشت نسمات النور والأمل.