رئيس التحرير
عصام كامل

مليون شجرة لـ "الإخوان".. نعمة أم نقمة؟


"وإن من شىء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم" صدق الله العظيم (الإسراء 44).

هذه الآية الكريمة وما تلاها من قصص نبوية أثبتت إعجاز القرآن الكريم، تؤكد أن الأحياء والجماد تسبح بحمد الله، وأن الحصى كان يسبح فى يدى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وفى أيدى الخلفاء الراشدين أيضا، واستنادا إلى الآية والقصص النبوية، فى اجتهادى الشخصى -الذى قد يحتمل الخطأ- أن من سخر له الله القدرة على التسبيح، يستطيع مناجاة الخالق جل وعلا، كى يرفع عنه مظلمة، أو بالبلدى "يدعى بأحوف رأسه على اللى ظلمه".


خلاصة القول: إن جميع الأحياء والجماد وأخص هنا النباتات، تستطيع الشكوى إلى الله من عطش أو جوع أو هجران.

وكان والدى -يرحمه الله- يصر إصرارا عجيبا على معاودة "غيطنا" يوميا، حتى لو لم يكن لنا فيه مصلحة، أو يتطلب الأمر عملا موقوتا، وحين كنت أعترض عليه فى ذلك، طمعا فى "ماتش كورة" أو "استغماية"، كان يقول بالحرف الواحد "الزرع بيعرف صاحبه وبيتونس بيه".

والزائر للكثير من غابات مصر التابعة لإدارة التشجير والغابات فى وزارة الزراعة، ومعظمها كانت منحا للصداقة بين مصر وعدة دول، أهمها: اليابان والصين وفرنسا وألمانيا، يبكى حزنا من السيقان الكالحة للأشجار، والهزال الذى تعانيه، حتى تبدو كأنها عجائز متسمرة فى أراض مقفرة، تهدلت جدائلها عطشا، ودمعت العيون الكثيرة فى سيقانها بالصمغ والعسل للسبب نفسه.

إن من زار بيروت وباريس وإيطاليا وحتى الكثير من دول شرق آسيا، يجد فى الغابات منحا طبيعة حبى الله بها أقوام، حافظوا عليها، فأغناهم من أخشابها، وأوراقها، وسعفها، فصنعوا منها الأثاث والأوانى وجدران المبانى، وحتى الحلى والإكسسوارات المنزلية، كما تغنوا بها فى أشعارهم، منها بيت الشاعر الحلبى "الصنوبرى" الذى عاش فى دولة المأمون فى العصر العباسى، الذى دعا "ريم" للنظر فى الربا كيف أظهرت إعجابها بها، ويصف شجر السرو الذى تشتهر به بلاد الشام: "والسرو تحسبه العيون غوانيا ... قد شمرت عن سوقها أثوابها".

المفرح أن المساحة الإجمالية للغابات الشجرية فى مصر، تبلغ نحو 147 ألف فدان، وفقا لتصريح على شبكة المعلومات الدولية، للدكتور سيد خليفة رئيس الإدارة المركزية للتشجير بوزارة الزراعة.

وبخبرتى فى زراعة الأشجار، فإن مساحة مثل هذه، تضم ما يزيد على 100 مليون شجرة، والمحزن أن هذه الكتيبة الشجرية التى قد يظن مسئولو وزارة الزراعة المصرية أنها خرساء، تدعو "بأحوف روسها" طبعا، على من تركها مهملة كخرابات بعد سرقة تجهيزاتها وشبكات ريها وصرفها، وآليات الحفاظ على الحياة الشجرية فيها.

إن من يزور واحدة من هذه الغابات وما أكثرها فى مصر، يرى أن كل شجرة زرعها سائح أجنبى، تحمل رقما لهذا السائح، لأنه قد زرعها بنفسه، واطمأن إلى أنه أراح الكون من نسبة، ولو ضئيلة جدا من ثانى أكسيد الكربون الذى يستخدمه النبات نهارا فى صنع غذائه من المواد الكربوهيدراتية، وبالتالى يتناقص معامل الاحبتاس الحرارى الذى غير فى طبيعة بيئتنا المناخية، ويهدد منذ أكثر من عشرة أعوام زراعاتنا التقليدية.

وأخشى من أن يحن سائح ما لزيارة شجرته مرة ثانية، فى إحدى غابات الصداقة، فيجدها باكية غاضبة منه، وداعية عليه، لأنه كان السبب فى إيجادها على وجه الأرض.

والآن تطالعنا الصحف خلال الأسبوع الجارى كله، بأن "الإخوان المسلمين" جزاهم الله خيرا، سيحتفلون بذكرى ثورة 25 يناير المقبلة، بزراعة مليون شجرة جديدة، وتنظيف ألف قرية عشوائية.

إنه نشاط إيجابى ما أحوجنا إلى نتائجه، حيث تعنى الزراعة محاربة التصحر، والحفاظ على البيئة، خاصة إذا عرفنا أن مصر تخسر سنويا نحو 25 ألف فدان بسبب التصحر، وتحول الأرض المنتجة إلى أرض قاحلة بفعل الاحتباس الحرارى، وفقا لتصريح رسمى للمهندس محمد رضا إسماعيل وزير الزراعة السابق.

لكن الأكثر إيجابية - من وجهة نظرى- أن يكلف الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، وزارة الزراعة بإعادة الحياة إلى الغابات الشجرية القائمة التى يمكن أن تسد العجز فى سوق الأخشاب المصرية، كون مصر تستورد أخشابا سنويا بما لا يقل عن 4.2 مليار جنيه، لتحتل بذلك الترتيب الثانى بعد القمح فى قائمة الواردات المصرية، وفقا لتقديرات رسمية.

أظن أن العمل على إحياء 100 مليون شجرة معرضة للموت، أفضل كثيرا عند الله من إضافة مليون شجرة، ستنضم بعد سنة أو أخرى إلى مثيلاتها لتدعو أيضا على من زرعها، ومن أهملها، ومن قطع منها عصيا للحمير، كما كان يحلو لى ضرب حمارنا المسكين بعصى مقطوعة من جدائل الصفصاف والجازورين على جسر غيطنا.

الأفكار الإيجابية كثيرة، لكن يجب إصلاح ما هو قائم بين أيدينا بعد أن أنفقت عليه مليارات من الجنيهات، قبل أن نستغرق فى المشاريع التى يطلق عليها لقب "واعدة" أو promising بالإنجليزية، لأن المصريين فى المرحلة الحالية أحوج ما يكونون إلى الاهتمام بالعصفور الذى فى اليد، وترحيل الحلم باصطياد "العشرة اللى على الشجرة".

barghoty@yahoo.com

الجريدة الرسمية