جودة عبد الخالق: اقتصادنا سقط بدوامة الثالوث المستحيل.. وترشيد الإنفاق حتمي.. وتشغيل المصانع المغلقة يغنينا عن الاستيراد (حوار)
>> مصر فى وضع اقتصادى لا يسمح لها بالإنفاق على كل المشروعات فى وقت واحد
>> مساهمة القطاع الصناعى فى الاقتصاد القومى 16% وقد ينخفض الرقم الفترة المقبلة
>> الصناعة فى مصر حاليًا مجرد مبادرات وبرامج وليست سياسة صناعية
>> يجب إعادة النظر فى بعض المشروعات ذات الميزانية الضخمة وتنفيذها على مراحل
>> يجب تقشف الحكومة والحد من سفر المسؤولين وتخفيف المستشارين بالوزارات المختلفة
>> يجب وضع ملف إعادة فتح المصانع المتوقفة على رأس أولويات الدولة
>> كان يجب على رئيس الوزراء استكمال رسالة اقتصاد الحرب بإجراءات الحزم ضد المتاجرين بقوت المواطن
>> الكثير من دول المنطقة باتت بحاجة إلى اقتصاد الحرب
>> لنا تجارب عديدة مع اقتصاد الحرب وفى أحيان تضررنا منها
>> لابد من التركيز على المشروعات التى تساعد على زيادة الصادرات
>> القطاع الصناعى كلمة السر فى نجاح أى إجراءات استثنائية.. وقد نحتاج لزراعة محاصيل محددة
>> سعر الطماطم الآن 30 جنيها.. ولو لدينا التصنيع الزراعى لن تصل لهذا السعر
أكد الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التموين الأسبق وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، أن الوضع الذى تمر به منطقة الشرق الأوسط حاليًا يفرض على العديد من الدول فرض اقتصاد الحرب.
وأوضح في حوار لـ«فيتو» أن رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى تحدث عن اقتصاد الحرب من واقع مسئوليته، مطالبًا الحكومة بالحزم الشديد لمن يعبثون بقوت الشعب.. وإلى نص الحوار:
*فى البداية نريد أن نتعرف منك على مفهوم اقتصاد الحرب؟
الكثير من دول المنطقة باتت بحاجة إلى اقتصاد الحرب، خاصة فى ضوء التطورات الميدانية الأخيرة والمخاطر المتصاعدة. فضلًا عن أن اقتصاد الحرب يشمل فى البداية رفع النفقات فى قطاع الدفاع والتسليح، وبالتالى سوف يكون جزء كبير من تلك الأموال موجها نحو النفقات العسكرية والواقع الأمنى الدولي، وسوف يتبع ذلك ترشيد النفقات فى القطاعات الأخرى، بالإضافة إلى توجيه جزء من الميزانية نحو القطاعات الأمنية الداخلية مثل تجهيز الملاجئ والاستعداد لأى مواجهة عسكرية، بجانب أن الدولة تراعى فى اقتصاد الحرب توفير الحاجات الغذائية والصحية الأساسية للشعب خلال فترة اعتمادها.
*جرّبنا اقتصاد الحرب قبل ذلك فى حربي 67 و73، فكيف ترى التجربة بعد كل تلك السنوات؟
هذا الكلام صحيح، فنحن لنا تجارب عديدة مع اقتصاد الحرب، بل فى أحيان تضررنا منها.
فمنذ أكثر من 100 عام، إبان ثورة 1919 كانت مصر تحت الاستعمار البريطاني، فكان الفلاحون أكبر قوى شاركت فى مقاومة الاحتلال لأن المحتل كان يشارك فى الحرب العالمية، وبالتالى كان يستولى على محاصيل الفلاحين لخدمة المجهود الحربي. وهناك تجربة أخرى لاقتصاد الحرب أثناء حرب أكتوبر 1973، عندما حدثت الثغرة وتم حصار السويس، تم تطبيق نظام اقتصاد الحرب وتقنين الحصول على السلع والمياه لأطول فترة ممكنة حتى نجح أهل السويس فى اجتياز المرحلة.
*هل هناك محددات لإنجاح موازنة اقتصاد الحرب؟
بالتأكيد، فالموازنة عبارة عن وثيقة مالية واقتصادية خلال العام، ويتم عملها من خلال الاحتياجات والموارد ونحدد القوى المحاربة ومعداتها وسلاحها فى ظل التوترات المحيطة بنا.
يتم حساب هذا كله وتكون الأولوية مطلقة للجانب الحربي، ثم تأتى باقى الأشياء حسب الأولويات.
ومن الممكن أن تفرض الدولة ضرائب أو سندات مثل التى فُرضت فى عام 1967.
باختصار، يتم وضع نظام صارم للأولويات على رأسها احتياجات الحرب ومطالبات الناس من المأكل والمشرب ثم تأتى أمور أخرى مثل إنشاء الطرق اللازمة لنقل القوات أو المعدات، بالإضافة إلى إمكانية تحول مصانع الإنتاج الحربى لإنتاج احتياجات المجتمع، وبالتالى الحد من الاستيراد وتوفير النقد الأجنبي الذى يمكن استخدامه للمجهود الحربى وربما يحتاج الأمر إلى محدد آخر وهو ما نسميه بالقرارات الإدارية، وهو زراعة محاصيل معينة يحتاجها المجتمع للإعاشة وتوفير سلع مثل الدقيق والسكر، على أن يتم ذلك بوضع عقوبات شديدة للمخالفين من خلال خطة للطوارئ للتصدى لأغنياء الأزمات.
*ما هو انطباعك على تصريحات رئيس الوزراء بشأن اقتصاد الحرب؟
مصر بحكم موقعها تقع فى إقليم ملتهب، فهى فى قلب العاصفة، ورئيس الوزراء فى صدارة المسئولية ويريد أن يكون هناك إدراك لحساسية مثل هذا الأمر لصعوبة التنبؤ إلى أى مدى يمكن أن يصل الصراع فى باب المندب بحيث يصبح أكثر شراسة فيؤثر على قناة السويس.
بالتالى هو متأثر مما يجري، ولكن كان على رئيس الوزراء استكمال الرسالة بإجراءات الحزم الشديد لمن يعبثون بقوت المواطن فى هذه الظروف من التجار المتربصين بقوت المواطن. بالتالى الوضع يفرض علينا تبعات يجب أن نعمل حسابها، أضف إلى ذلك هناك صراعات خارجية أثرت بالسلب على إيرادات قناة السويس مما أدى إلى فقدان ما يتراوح بين 6 إلى 7 مليارات دولار من النقد الأجنبى وهذا له أهميته فى ظل هذه الظروف.
*فى رأيك كيف نضع خطة طوارئ للتعامل مع تبعات المرحلة؟
هناك شيء محورى وهو ضرورة قراءة المشهد جيدًا ووضع التقديرات والحسابات الضرورية. وهنا لابد أن نشير إلى دور للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لأنه به جزء متعلق بالإحصاء للمصانع والأراضى وحصر لموارد المياه وموارد الغذاء وموارد الحركة والإنفاق، حتى المستشفيات وعددها ومساحتها وتوفر متطلباتها. كل هذا لابد من التأكد من جاهزية هذا للعمل تحت ظروف يصعب التنبؤ بها، أى أن دوره هام فى هذه المرحلة لمواجهة الظروف المختلفة.
*تحدثت كثيرًا عن أهمية ترشيد الإنفاق وجذب الاستثمار، هل يمكن ذلك فى ظل اقتصاد الحرب؟
يمكن إذا نهضنا بالقطاع الصناعى خلال الفترة المقبلة، لاسيما أن مساهمة هذا القطاع بالكامل فى الاقتصاد القومى لا تزيد عن 16% وقد ينخفض هذا الرقم خلال الفترة المقبلة ما لم تكن هناك جهود ملموسة تسهم فى دعم الصناعة الوطنية، فالصناعة فى مصر حاليًا مجرد مبادرات وبرامج وليست سياسة صناعية، خاصة أن الصناعة ليست حكرًا على وزارة بعينها، فالجميع معنى بهذا الملف الحيوي. والنهوض بالصناعة يعنى النهوض بالقطاعات التى تخدم عليها بالتزامن مع الحديث عن وضع سياسة صناعية.
كما أن إعادة تشغيل المصانع التى أغلقت أو تم خفض طاقتها الإنتاجية يغنى الدولة عن الاستيراد أو يحد منه، فضلًا عن أن الإنتاج يمكن التصدير منه، وأطالب باقتصاد حرب كما يحدث فى روسيا وأوروبا.
ويجب إعادة النظر فى بعض المشروعات ذات الميزانية الضخمة بحيث يكون تنفيذها على مراحل لأننا فى وضع اقتصادى لا يسمح بالإنفاق على كل المشروعات فى وقت واحد ومعظمها يعتمد على مكون مستورد وتحتاج لعملات صعبة.
*وماذا عن جذب الاستثمارات الأجنبية؟
لابد أن نفرق بين الاستثمار الأجنبى المباشر الذى يأتى لإقامة مصانع ومستشفيات ومدارس ومرافق إنتاجية، وبين رؤوس الأموال الساخنة التى لها مخاطرها.
فمبادئ علم الاقتصاد تكشف عن وقوع اقتصادنا فى دوامة الثالوث المستحيل. فالحكومة تعرف أن رؤوس الأموال الساخنة لها مخاطرها الشديدة على الاستقرار، وقد اعترف بذلك وزير المالية ورئيس الوزراء عندما اشتكيا من خروج أكثر من 20 مليار دولار خلال شهر مارس 2022، ومع ذلك، تكرر الحكومة نفس الخطأ بإعلانها الالتزام بحرية الحركة لتلك الأموال مما قد يسبب خللًا رغم أنه نوع من الاستثمار شديد الحساسية لأن صاحب الأموال الساخنة يحسب الفائدة بمقدار المخاطرة. وهذا يتطلب استثمارا محليا، ووزارة المالية وضعت حزمة من الحوافز الضريبية لتنشيط القطاع الخاص وحفظه وخاصة المشروعات الصغيرة وما فى حكمها.
فالإعلان عن هذه الحوافز خطوة مهمة، لكن الأهم هو إعطاء جانب من الثقة للممولين والأكثر أهمية هو أن تتأكد الحكومة بأن هذه الحوافز قابلة للتطبيق.
أما عن ترشيد الإنفاق فهذا أمر حتمي، ويجب تقشف الحكومة والحد من سفر المسؤولين وتخفيف المستشارين بالوزارات المختلفة.
كما يجب وضع ملف إعادة فتح المصانع المتوقفة على رأس أولويات الدولة لأن ذلك سيكون بندًا رئيسيًا فى مفاوضات جذب استثمارات جديدة لمصر. كما لابد من التركيز على المشروعات التى تساعد على زيادة الصادرات.
*أخيرًا، ما هى الإجراءات الواجب اتخاذها الفترة المقبلة؟
لابد أن تكون لدينا سياسة واضحة واستراتيجية محددة، فنحن لدينا العديد من المبادرات لكنها لا تصنع اقتصادًا مستقرًا لأنها تعرض فى حينها وتنتهى بعد فترة.
فلابد من تعميق الصناعة المصرية لأن هذا سيقلل اعتمادنا على الخارج فى توفير احتياجاتنا، وهنا أركز على التصنيع المحلى ومنه التصنيع الزراعى لأن الأمن الغذائى هام جدًا فى هذه المرحلة. فمثلًا سعر الطماطم الآن 30 جنيها، لو لدينا التصنيع الزراعى لن تصل الطماطم لهذا السعر، وهكذا.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.