جمال الغيطاني.. صاحب مشروع روائى فريد عن التراث المصري.. فاز بجائزة لوربتايو عن رواية التجليات.. وهذه نظريته الفلسفية عن الحياة
جمال الغيطانى، الروائى الصحفى المفكر المثقف عاشق الموسيقى والعمارة والفن التشكيلى، أشهر أدباء ستينات القرن الماضى، عمل مراسلا حربيا فى بداية حياته فعاش أكثر من حرب، هو صاحب مشروع روائي فريد حيث استلهم فيه كتابة التراث المصرى فى كتاباته متأثرا بأستاذه الأديب الكبير نجيب محفوظ، قدم إلى عالم الأدب العربي روايات عدة وأعمالا خلدت اسمه في عالم السينما والدراما كما خلد من قبل في عالم الأدب.
ولد الكاتب والأديب جمال الغيطانى عام 1945 بمركز جهينة محافظة سوهاج، لكنه نشأ وتربى بحى الجمالية بجوار المشهد الحسيني وهو نفس المكان الذى نشأ فيه الأديب نجيب محفوظ فعاش مفتونا بهذه المنطقة التاريخية. تخرج الغيطانى من مدرسة النسيج بالعباسية.
مراسل حربي لأخبار اليوم
اختاره الكاتب محمود أمين العالم للعمل معه محررا ثقافيا بجريدة الأخبار وقت إن كان رئيسا لمجلس إدارتها، وفي عام ١٩٦٩ عمل الغيطاني مراسلا حربيا لأخبار اليوم ومنذ يومها وهو المراسل الحربى الأشهر، رأس تحرير كتاب اليوم ثم مجلة أخبار الأدب.
عشق جمال الغيطانى القراءة منذ كان فى السابعة من عمره، بدأ محاولة الكتابة وهو فى العاشرة فكتب أول قصة قصيرة فى حياته عام 1959 ونشرها باسم "الزيارة " فى جريدة لبنانية، وفى عام 1969 أصدر كتابه (أوراق شاب عاش منذ ألف عام ) متضمنا خمس قصص قصيرة، ثم سجل تجربته مع السجن فى مؤلفه (هداية أهل الورى لبعض ما جرى فى المقشرة)، ثم أصدر بعدها روايته (الزينى بركات)، وتتوالى المؤلفات بعدها "رحيل الخريف الدامى، حكايات الغريب، محكمة الأيام، وغيرها
أيام الرعب فى السينما
تحولت بعض إنتاجها الأدبى إلى أعمال سينمائية ودرامية، ففى السينما قدم جمال الغيطانى فيلم "أيام الرعب" الذي تم إنتاجه عام 1988، كان هو أول أعمال جمال الغيطاني الفنية، وتدور قصته حول محروس الصعيدي الذي يهرب من صعوبات واقعة بالصعيد والثأر الذي يلاحقه إلى العاصمة القاهرة، ويبرز الفيلم تأثير عادة الثأر على حياة أبناء الصعيد، بطولة الفنان محمود ياسين وميرفت أمين وإخراج سعيد مرزوق.
ويُعد فيلم "حكايات الغريب" الذي تم إنتاجه عام 1992 ثانى أعمال جمال الغيطانى في عالم السينما، ويدور فى الفترة بين نكسة 67 وانتصار أكتوبر 1973 بطولة محمود الجندى ومحمد منير وشريف منير وحسين الإمام، أما عن آخر أعماله في عالم الأفلام الطويلة فكان فيلم "خمس نجوم"، وذلك عام 2007، بطولة أحمد هارون ودوللي شاهين، كما قدم في 2009 أفلام قصيرة من إخراج نهلة الحريشي بعنوان "عنوة"
اقتحم جمال الغيطاني عالم الدراما وقدم عملًا بارزًا وهو "الزيني بركات" عام 1995، ويدور المسلسل في الفترة التي أعقبت سقوط المماليك وقيام الدولة العثمانية في مصر، بطولة نخبة من النجوم على رأسهم نبيل الحلفاوى وعبد الرحمن أبو زهرة، وفى عام 1996 قدم مسلسل "سنوات الغضب" من بطولة صلاح السعدني وعبد الرحمن أبو زهرة، كما قدم مسلسل حارة الطبلاوى عام 2001 بطولة فاروق الفيشاوى، ثم قدم مسلسل حارة الزعفرانى بطولة صلاح السعدنى.
أسس جمال الغيطاني جريدة أخبار الأدب لتصبح علامة في حياة مصر الأدبية، حتى أنه رأس تحريرها أربعة عشر عاما، وكتب خمسين كتابا أو أكثر، روايات، وأدب رحلات، وقصصا قصيرة، وأدبا عن الألم وتجربته مع المرض، كما قدم كتبا توثيقية وبرامج تليفزيونية عن آثار ومبانى وشوارع القاهرة المملوكية القديمة، وظل يسافر ويعمل ويكتب لنصف قرن دون توقف حتى انه في حوار قبل الرحيل يقول إنه يملك مشاريعا تجعله مشغولا لعشرين سنة أخرى لكن قلبه تعب وتداعى فكانت النهاية.
تجليات جمال الغيطانى
ويعتبر كتاب "التجليات" أحد أهم كتابات جمال الغيطانى الخالدة حيث نجحت "التجليات" في إيصال الحديث بالقديم فكرًا وفنًّا وأدبًا ولغة وبناء أحداث غير تقليدي أو نمطي، ففى "الميلاد والغربة "يسرد جمال الغيطانى بشكل سلس عن نفسه وطفولته وشقاء والده، كما يتحدث عن مأساة الحسين واستشهاده ويتحدث عن عبد الناصر وحبه له، وفى " الاغتراب والضنا والحزن" ويتحدث فيه عن الحياة بين ما هو قائم فعلا وبين ما كان يمكن أن يكونه لو له حياة مختلفة بمكان وزمان آخر ، وقد ترجمت "التجليات" الي الفرنسية وفاز جمال الغيطاني بجائزة "لوربتايو" الفرنسية ضمن 800 رواية مرشحة، إذ أعتبرت لجان تحكيم الجائزة أنها أهم رواية في الأدب المترجم. وهو يعد رؤية صوفيه، أعمق من ان يكن كتابا أو رواية وإنما هي رحلة نحو الداخل بلغة ومعاني كبيرة.
عن فترة عمله كمراسل حربى على الجبهة يقول الأديب جمال الغيطانى: فى عام 1968 بدأت عملي بالصحافة وجدت نفسى فى موقع يتيح لى أن أعيش أحداثا ساخنة يمر بها الوطن فبدات عملى بالجبهة كمراسل حربى، حيث كنت أدفع بنفسي فى مواجهة الموت بالتواجد فى مناطق الخطر، ذهبت الى الجبهة ليس لأسرد قصص أو موضوعات لكنى ذهبت لأعيش موقفا لأعيش التاريخ فعشت حرب اكتوبر فى اكثر من موقع وعدت منها وذهنى مشحون بالأحداث والتفاصيل فكتبت مجموعة "حكايات الغريب التى تضم عددا من القصص خرجت إلى النور بعد سبعة أشهر من النصر الكبير.
احتفظ بنماذج من آثار الحرب
أكد نجل الأديب جمال الغيطانى فى أحد الاحتفالات بنصر اكتوبر وتكريم الغيطانى: أن والده كان محتفظا على مكتبه بمجسمات صغيرة لكافة الأسلحة التي استخدمت في حرب أكتوبر 1973 وفوارغ الطلقات منذ عام 1970 واعتزازه بها، قائلا:"كان حكايته لنا لم تكن تقليدية ولكنها كانت في ضوء معايشته للقتال أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وظل محتفظا بشارة العبور1973".
الحياة فرصة محدودة
يتحدث جمال الغيطانى عن نفسه ويقول: أنا من النوع الذي إذا أسند إلي مهمة أتقنها وأخلص لها فهذا كان على حسابي، وحساب حياتي الشخصية حتى علاقتي بأسرتي، وكنت أتمنى التفرغ من العمل الروتينى حيث تملكنى الشعور بأن الحياة تسربت بسرعة، فرصة الحياة نادرة، وأنا في الأواخر، وهذا هو الشعور الذي كتبت فيه دفاتر التدوين كلها، الحياة فرصة محدودة جدا وأنا معني بما نعيشه فى هذه الحياة.