رئيس التحرير
عصام كامل

العنصر البشري!

على مدى عقود طويلة، كنت أتابع خلالها التقارير العلمية التي تصدر سنويا عن تطور حوادث الطرق في مصر، من حيث الزيادة أو النقصان، أو من حيث الخسائر البشرية والمادية التي تنتج عن تلك الحوادث، وبالطبع كانت الأرقام تتبدل عاما بعد عام.. 

 

أحيانا تزيد الحوادث وأحيانا أخري تقل وأحيانا أخري تظل ثابتة عند معدل أو رقم معين، وللأمانة وللإنصاف أسهمت الطفرة الواسعة التي حدثت خلال العشر سنوات الماضية، سواء في إنشاء العديد من الطريق الجديدة أو تطوير الطرق التي كانت قائمة، أسهمت بشكل ملموس في تراجع معدلات الحوادث على الطرق وتداعياتها المختلفة.


ولكن رغم هذا التراجع في معدلات وقوع حوادث الطرق، فإن الحوادث لم ولن تنته، وللأسف بدت أكثر قسوة في نتائجها وفى كيفية حدوثها، ولعل حادثي تصادم جرار بقطار في المنيا وانقلاب اتوبيس طلاب إحدي الكليات بمنطقة الجلالة بالعين السخنة بالسويس، حادثان يجسدان بشكل واضح ما أريد التنويه إليه والتحذير منه، رغم ما قد يبدو بعدم وجود علاقة مباشرة بين الحادثين، فأحدهما وقع على السكك الحديدية، والثاني وقع على أحد الطرق الجديدة! 


أري واعتقد أن هناك ترابط أو تداخل، بين الحادثين، وأري أن بينهما عوامل مشتركة، العامل المشترك الأول هو أن كليهما وقع في نطاق مرفق أنفق على تطويره مبالغ طائلة، وربما يدرك أغلبنا إجمالي الميزانيات التي انفقت على تطوير وتحديث كافة عناصر منظومة السكك الحديدة خلال الخمس سنوات الماضية.. 

وندرك أو نتابع كذلك حجم الاستثمارات التي تم تخصيصها وضخها في تطوير شبكة الطرق الموجودة لدينا، والتي تزايدت أطوالها لتقترب من العشرة الاف كيلو.

العامل المشترك الثاني، وأظنه الأهم، هو العنصر البشري المتسبب الأول في وقوع الكارثتين، وهذا يعيدني إلى إحصاءات معدلات حوادث الطرق ومسبباتها وتداعياتها التي اشرت اليها في بداية هذا المقال.


فمختلف هذه الإحصاءات المتتابعة تجمع على شيئا واحد هو أن العنصر البشري السبب الرئيس في وقع أكثر من 80% من حوادث الطرق، وأضيف إليها حوادث السكك الحديدية، والعنصر البشري الذى تشير إليه الإحصاءات هو سائق المركبة، أو هو المترجل الذى يعبر الطريق من مكان غير مخصص للمشاة وهو المسئول عن الصيانة أو إدارة أي منظومة.. الخ.


هذه النتيجة تعني أن إنفاق مئات، بل ومئات المليارات من الجنيهات على تطوير شبكات الطرق ومنظومات السكك الحديدية لن يكون له إثر إيجابي ملموس، طالما لم ننتبه إلى العنصر البشري، ودراسة أسباب عدم كفاءته، بل وجنوحه إلى الإهمال، وتسببه في كوارث مروعة تبدد كل الاستثمارات التي تم توجيهها للتطوير، يضاف إليها بل ويسبقها الكوارث الإنسانية التي تترتب على تلك الكوارث.


العنصر البشري يحتاج إلى نظرة متعمقة، تنطلق من أن ذلك العنصر هو الأهم والأغلى في أية منظومة حياتية، مهما بلغ التطور مداه في التكنولوجيا، ومهما تم إختراع المزيد من الآلات والأدوات التي يمكن أن تعين البشر وتساعدهم على إتمام مهامهم أو تنوب عنهم في بعض الأحيان.


الحادث، كما أري، أن النظرة للعنصر البشري من جانب المطورين وأصحاب مشروعات النهضة والتطوير، ليست كما ينبغي وواضح أن هناك عدم انتباه، ولن نقول عدم إهتمام، بالعنصر البشري ودراسة مشاكله وتوفير احتياجاته الأساسية كرب أسرة ومواطن له مطالب ومتطلبات.

 


أنوه إلى إني لا أصدر حكما عاما، ولا أقول أن الكوارث التي يتسبب فيها العنصر البشري مبررة، ولا أقول أن العنصر البشري مرتكب هذه الكوارث معذور أو يمكن التعاطف معه، مطلقا.. أنا أقول وبشكل واضح إننا يجب أن نهتم بتعليم وتدريب ورفع كفاءة وتلبية احتياجات العنصر البشري.. 

وفى نفس الوقت يجب أن نستخدم كل ما يمكن من تطور تكنولوجي في تحقيق أعلى درجات الرقابة على العنصر البشري ومحاسبته حسابا عسيرا عند التجاوز، فمهما بلغ التطور التكنولوجي والتقدم في كل شيىء مداه، لن يتم الاستغناء عن العنصر البشري وخاصة في مجالات معينة.

الجريدة الرسمية