شباب حول الرسول، أبو جندل بن سهيل “الطائع للرسول والصابر على العذاب”
منذ فجر الإسلام، أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتية صغار السن بالله حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من تقديس للأصنام، والأوثان، وإدمان للأدران، وصمدوا بقوة أمام ضغوط الآباء والأمهات وعتاة المشركين.
تربوا في مدرسة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم "شبابٌ حولَ الرسول".
حكاية سيدنا أبي جندل بن سهيل، تستحق أن يقرأها شبابنا مئات المرات، ففيها من الدروس والعبر الكثير.. فيها صدق الإيمان، والصبر على الأذى، وبر الوالد، والطاعة لله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، والوفاء العهد.
هو أبو جندل بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر العامري القرشي، صحابي من أصحاب النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.
أسلم وهو دون العشرين، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن عذب بسبب إسلامه.
صلح الحديبية
أرسلت قريش سهيل بن عمرو ليعقد الصلح ويتّفق على كامل بنوده مع النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، في منطقة الحديبية، فصلح الحديبية هو: عهدٌ بين المسلمين وقريش عُقد في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة.
وكان المسلمون قبل عقده يتشوّقون لزيارة بيت الله الحرام ومكّة التي هي موطنهم بعد ست سنواتٍ من هجرتهم عنها إلى المدينة المنورة اضطرارًا.
وكان ممّا زاد شوقهم الرؤيا التي رآها رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، إذ رأى أنّه مع جموع المسلمين يدخلون المسجد محلّقين رؤوسهم ومقصّرين.
إلا أنَّ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، قصد ألّا يدخلوها حربًا، وسعى بأن يكون دخولهم معتمرين، وقد اصطحب، صلّى الله عليه وسلّم، معه زوجته أمّ المؤمنين أمّ سلمة، رضي الله عنها، وألفًا وأربعمئةٍ من الصحابة.
واتجهوا إلى مكة لأداء العمرة الأولى لهم بعد الهجرة، وكانوا متسلّحين؛ تحسبًا لأيّة ردة فعلٍ أو قتال من قريش.
فلمّا وصلوا الميقات أحرم الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ثم واصلوا طريقهم حتى نزلوا بالحديبية قُرب مكة، فأرسل النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، يُخبر قريشًا أنّهم جاءوا معتمرين قاصدين زيارة بيت الله الحرام، وأنّهم لا يريدون قتالًا، إلّا أنَّ قريشًا احتجزت عثمان، وطال حبسه عندهم، حتى ظنّ المسلمون أنَّه قُتل، فقرّر سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، عقد بيعة الرضوان، فأقبل الصحابة إليه وهو تحت الشجرة مبايعين على ألّا يفروا عند مواجهة قريش، وقد سميّت تلك ببيعة الرضوان، ونزل بها قول الله، تعالى: "لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا".
اقرأ أيضا: شباب حول الرسول، البراء بن عازب "راوي أحاديث النبي"
فأرسلت قريش عروة بن مسعود للتفاوض مع النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، تمهيدًا للصلح، ثمّ أرسلت سهيل بن عمرو، لمصالحته، صلى الله عليه وسلم، على العودة بعد عامٍ لأداء العمرة.
وبقدومه تهلّل وجه النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، وقال: "لقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِن أمْرِكُمْ".
الصلح وموقف أبي جندل
وقد أسفرت المفاوضات عن اتفاقٍ بين المسلمين وقريش سميَّ بصلح الحديبية، حيث انتهى سهيل مع النبيّ للصلح الذي نصّت بنوده على:
- وقف الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنواتٍ، فيأمن الناس.
- أن يردّ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، من يأتيه مسلمًا من قريش، ولا تردّ قريش من يأتيها مرتدًا.
- إطلاق حرية اختيار الدخول في عقد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو قريش للعرب، فدخلت خزاعة في عهد الرسول، صلّى الله عليه وسلم، وبنو بكر في حلف قريش.
- دخول المسلمين معتمرين من غير سلاحٍ في العام المقبل.
الطاعة لرسول الله، والصبر على الإيذاء
بينما كان سيدنا عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، يكتب بنود الصلح، جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو، وهو مقيدٌ بالحديد إلى النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فقام إليه سهيل بن عمرو، وقال: "هذا -يا مُحَمَّدُ- أوَّلُ ما أُقَاضِيكَ عليه أنْ تَرُدَّهُ إلَيَّ".
ولم يرضَ بتوسّط النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فيه، وهدّد بنقض الصلح.
فقالَ أبو جَنْدَلٍ: أيْ مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إلى المُشْرِكِينَ وقدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، ألَا تَرَوْنَ ما قدْ لَقِيتُ؟! وكانَ قدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا في اللَّهِ، قالَ: فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: فأتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: ألَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ وعَدُوُّنَا علَى البَاطِلِ؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا إذًا؟ قالَ: إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَسْتُ أعْصِيهِ، وهو نَاصِرِي".
ثمّ طمأن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، أبا جندل وأوصاه بالصبر، وأنّ الله سيُنجيه ويفرّج عنه، وقد قبِل النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، هذا الصلح على ما فيه من شروطٍ حقنًا للدماء.
فأخذ سهيل بن عمرو، ابنه أبا جندل، وهو يسحبه من ملابسه، فرجع به في أغلاله.
فقام عمر بن الخطاب يمشي إلى جنب أبي جندل وأبوه يتله (يسحبه).
وهو (عمر) يقول: أبا جندل، اصبر فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب. وجعل عمر يدني منه قائم السيف.
فقال عمر: رجوت أن يأخذه فيضرب به أباه، فضن بأبيه.
فراره وقتاله لقريش
وللمرة الثانية، ينجح أبو جندل في الإفلات من المحبس، ويفر إلى ساحل البحر الأحمر، وهناك يلتقي بمسلم آخر هو أبو بصير، وانضم إليهما جماعة من مختلف القبائل.. وقرروا أن يحاصروا قريشا، فلا يدعوا لقريش شيئًا إلا أخذوه حتى بعثوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسألونه أن يضمهم إليه.
انفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده، صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية، وخرج من مكة في سبعين راكبا أسلموا فلحقوا بأبي بصير، وخافوا أن يقدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مدة الهدنة خوفا من أن يردهم إلى أهلهم.
وانضم إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب ممن أسلم حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل، فقطعوا مارة قريش لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر بهم عير إلا أخذوها حتى كتبت قريش له، صلى الله عليه وسلم، تسأله بالأرحام إلا آواهم ولا حاجة لهم بهم.
فكتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أبي جندل وأبي بصير أن يقدما عليه وإن من معهم من المسلمين يلحق ببلادهم وأهليهم، ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لعيرهم.
فقدم كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عليهما وأبو بصير مشرف على الموت لمرض حصل له فمات وكتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في يده يقرأه فدفنه أبو جندل مكانه، وجعل عند قبره مسجدا.
حبه لأبيه رغم تعذيبه له
كان يحب والده، وفى غزوة بدر لم يذهب للجهاد فكان أبوه قد حبسه وهرب أخوه عبد الله من حبس أبيه بخديعة، وعرض على أخيه أبي جندل نفس الفكرة ولكنه رفض خوفا من أن تضطره ظروف المعركة لمبارزة أبيه أو رؤية والده وهو يحارب أحد المسلمين.
وكان، رضي الله عنه، كثير الصلاة والصيام والصدقة، كثير البكاء، رقيق القلب عند قراءة القرآن.
توفي أبو جندل في طاعون عمواس بالأردن سنة ثماني عشرة، ولم يكن عمره يتجاوز الثامنة والثلاثين.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.