رئيس التحرير
عصام كامل

شباب حول الرسول، عكرمة بن عمرو بن هشام، الراكب المهاجر

ضريح عكرمة بن عمرو
ضريح عكرمة بن عمرو بن هشام، الراكب المهاجر، فيتو

منذ فجر الإسلام، أحاط برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتية صغار السن بالله حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من تقديس للأصنام، والأوثان، وإدمان للأدران، وصمدوا بقوة أمام ضغوط الآباء والأمهات وعتاة المشركين.


تربوا في مدرسة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.

 

كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.


إنهم "شباب حول الرسول".

في السطور التالية، نستكشف جوانب عظمة البطل عكرمة، الذي كان أبوه من أئمة الكفر، وصناديد المشركين، لكنه سار على النقيض تماما منذ أعلن إسلامه، حيث ضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والفداء والإيثار.

ضريح عكرمة بن عمرو بن هشام، الراكب المهاجر، فيتو

إنه الصحابي الجليل عكرمة بن عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي المخزومي.

أبوه عمرو بن هشام الذي سماه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، "أبا جهل"، لشدة عدائه للإسلام والمسلمين.

نشأ عكرمة في مكة في جو مترف محفوف بالنعيم، وتعلم القراءة والكتابة والأنساب على يد أفضل المعلمين في تهامة، وكغيره من أبناء العرب تعلم عكرمة الفروسية وأبدى نبوغًا ومهارة في المبارزة وفنون القتال، وتميز على جميع أقرانه ببراعته في رمي الرمح وتصويب السهام، كما عُرف بالشجاعة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ. كان عكرمة شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية هو وأبوه. 

هنا دفن عكرمة بن عمرو بن هشام، الراكب المهاجر، فيتو

ولد فى مكة سنة 24 قبل الهجرة، نشأ فى مكة فى بيئة تحظى بالترف والنعيم، تعلم الفروسية وفنون القتال وبرز تفوقه فى رمى وتصويب السهام فقد كان مشهودًا ببراعته.

 

في يوم بدر

لما قاد أبوه معركة الشرك يوم بدر، وأقسم باللات والعزى ألا يعود إلى مكة إلا إذا نزل ببدر، فيقيم عليها ثلاثًا ينحر الجزور ويشرب الخمور وتعزف له القيان بالمعازف، فكانت المعركة، فقاد أبو جهل هذه المعركة، وكان ابنه عكرمة معينا له في قتال المسلمين.

 وخر أبوجهل صريعًا ورآه ابنه عكرمة بعينيه ورماح المسلمين تنهل من دمه وسمعه بأذنيه، وهو يطلق آخر صرخة انفرجت عنها شفتاه. 

عاد عكرمة إلى مكة بعد أن خلف جثة سيد قريش في بدر، فقد أعجزته الهزيمة عن أن يظفر بها ليدفنها في مكة، وأرغمه الفرار على تركها للمسلمين فألقوها في القليب (بئر ألقيت فيها جثث المشركين من قتلى بدر) مع العشرات من قتلى المشركين وأهالوا عليها الرمال.

وكان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال: لا، والذي نجاني يوم بدر.

ولما قُتل أبوه، تحولت رئاسة بني مخزوم إلى عكرمة.

 

 يوم أحد

خرج عكرمة بن أبي جهل إلى أحد، وأخرج معه زوجه أم حكيم لتقف مع النسوة الموتورات في بدر وراء الصفوف وتضرب معهن على الدفوف تحريضًا لقريش على القتال، وتثبيتًا لفرسانها إذا حدثتهم أنفسهم بالفرار، فكان على ميمنة فرسان قريش خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل.

 

 يوم الخندق

في يوم الخندق حاصر المشركون المدينة أيامًا طوالًا، فنفد صبر عكرمة بن أبي جهل وضاق ذرعًا بالحصار، فنظر إلى مكان ضيق من الخندق وأقحم جواده فيه فاجتازه، ثم اجتازه وراءه بضعة فرسان في مغامرة جريئة ذهب ضحيتها عمرو بن ود.

 

 فتح مكة

وجاء وعد الله الذي وعده رسوله في كتابه: "لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق"، فكان يوم الفتح فرأت قريش ألا قِبَلَ لها بقتال النبي وأصحابه، فأذعنت (أي قررت) على أن تخلي له السبيل إلى مكة، لكن عكرمة ونفر معه خرجوا على الإجماع القرشي، فتصدوا للجيش الإسلامي فهزمهم القائد المسلم خالد بن الوليد في معركة صغيرة قتل فيها من قتل ولاذ بالفرار من أمكنه.

 

اقرأ أيضا: شباب حول الرسول، مُحَمَّد بْن طلحة "السجَّاد سماه النبي محمدا"

وكان الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، قد أباح قتله؛ بسبب ما ظهر منه من شدة العداء لله ورسوله.

فلما فتح النبي مكة فر هاربًا وترك أهله وماله، واتجه نحو اليمن يفكر في الذهاب إلى الحبشة، إلا أن الله سبحانه كان قد رزقه بزوجة وفية سبقته إلى الإسلام، وهى أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت تحب زوجها وتتمنى له الهداية.

ولما رأت ما كان من هروب زوجها، ذهبت إلى الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، تطلب منه العفو والأمان لزوجها، فرق قلب النبي لحالها، وأعطاه الأمان، فأسرعت أم حكيم إلى زوجها لتبشره بعفو رسول الله عنه، وبعد أن عانت الزوجة المخلصة من سفرها في الصحراء، وصلت إلى ساحل البحر فلحقت بزوجها، وهو في السفينة.

وظلت تنادي عليه حتى سمعها، فقالت: يابن العم، جئتك من عندِ أوصلِ الناسِ، وأبرِّ الناسِ، وخيرِ الناسِ، لا تهلك نفسَك، فعادَ إليها، فقالت له: إني قد استأمنتُ لك رسول الله، فقال لها: أنت فعلت ذلك؟ فقالت: نعم؛ أنا كلمته فأمَّنك.

 فرجع معها إلى مكة حتى لقى رسول الله، وأعلن إسلامه، فقال له الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم: "مرحبًا بالراكب المهاجر". 

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: "يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبُّوا أباه، فإن سبَّ الميت يؤذي الحي، ولا يبلغ الميت".

هنا دفن عكرمة بن عمرو بن هشام، الراكب المهاجر، فيتو

ووقف عكرمة بين يدي الرسول نادمًا على ما حدث منه، وقال: يا رسول الله، علمني خير شيء تعلمه حتى أقوله، فقال له النبي: "شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله"، فقال عكرمة: أنا أشهد بهذا وأشهد بذلك من حضرني، وأسألك يا رسول الله أن تستغفر لي، فاستغفر له رسول الله.

 فقال عكرمة: والله لا أدعُ نفقة كنتُ أنفقتُها في صدٍّ عن سبيل الله إلا أنفقتُ ضعفَها في سبيل الله، ولا قتالًا قاتلتُه إلا قاتلتُ ضعفَه، وأُشهدُك يا رسول الله على ذلك.

وهكذا أسلم عكرمة فحسن إسلامه، وشارك مع جيوش المسلمين في كثير من الغزوات، واستعمله النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، على صدقات هوازن في عام وفاته.

كان محمود البلاء في الإسلام

قال الإمام الشافعي عنه: كان محمود البلاء في الإسلام، رضي الله عنه.

ولعكرمة في قتال المرتدين أثر عظيم فقد استعمله أبو بكر على جيش وسيره إلى أهل عمان وكانوا ارتدوا وظهر عليهم عكرمة، ثم وجهه أبو بكر أيضًا إلى اليمن فلما فرغ من قتال أهل الردة سار إلى الشام مجاهدًا مع جيوش المسلمين، فلما عسكروا بالجرف على ميلين من المدينة، استقبله أبو بكر وسلم عليه وعرض عليه المعونة، فقال: لا حاجة لي فيها فدعا له بخير وسار إلى الشام.

وواصل عكرمة جهاده مع المسلمين في عهد أبي بكر الصديق، واشترك في حروب الردة، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وسار إلى عمَّان فحارب المرتدين هناك، وجعله أبو بكر، رضي الله عنه، أميرًا عليها، وبقي فيها حتى وفاة أبي بكر.

وكان عكرمة مجتهدًا في قتال المشركين مع المسلمين، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجّ على هوازن يصدقها، ووجهه أبو بكر إلى عُمان، وكانوا ارتدوا فظهر عليهم، ثم وجَّهَهُ أبو بكر إلى اليمن وولى عمان حذيفة القلعاني، ثم لزم عكرمة الشام مجاهدًا.

 

فى غزوة اليرموك

فى غزوة اليرموك، كان عكرمة أميرًا على بعض الكراديس (مجموعة من الجنود).

أوشك الروم أن يفتكوا بالمسلمين بعد حصارهم للجيش من كل جانب، نظرًا لعدد جيش الروم الذى يزيد عن جيش المسلمين بآلاف المحاربين، تناول عكرمة سيفه وكسر غمده واتخذ قراره الفدائي، فصاح فى المسلمين بصوت يشبه رعد: "أيها المسلمون من يبايعني على الموت؟".

فتقدم إليه 400 فدائي من المسلمين ليكونوا كتيبة الموت، اتجه خالد بن الوليد، رضى الله عنه، إلى عكرمة محاولا منعه من التضحية بنفسه فرد عليه عكرمة: "إليك عنى يا خالد، فلقد كانت لك مع رسول الله سابقة، أما أنا وأبى فكنا أشد الناس على رسول الله، فدعنى أُكفِّر عن ما سلف منى، فلقد قاتلتُ رسولَ الله قبل الإسلام فى مواطن كثيرة وأفرُّ اليومَ من الروم؟ لن يكون هذا أبدًا.

 

استشهاد البطل عكرمة بن عمرو

أسرع إليه ابنه عمرو، وعمه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور، ومعهم فارس من المسلمين، وانطلقوا نحو جيوش الروم يحصدون رقابهم، وأظهر عكرمة، رضي الله عنه، في هذه المعركة فدائية وشجاعة نادرة حتى جرح وجهه وصدره، وانتصر المسلمون انتصارًا حاسمًا، ولكنَّ جُرح عكرمة كان عميقًا فأدى إلى استشهاده، فقد وجدوا فيه بضعة وسبعين جرحًا ما بين طعنة ورمية وضربة.

 

وقبل أن يستشهد عكرمة ضرب أروع مثل في الإيثار، فقد كان بجواره الحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه، فجيء إليه بماء فنظر إليه عكرمة، فقال هشام: ادفعه (أعطه) إلى عكرمة، فلما أخذه عكرمة نظر إليه سهيل، فقال عكرمة: ادفعه إلى سهيل، فلما وصل الماء إلى سهيل كان قد مات، ثم تبعه عكرمة والحارث، واستشهدوا جميعًا، وقد آثر كل واحد منهم الآخر بشربة الماء، رضي الله عنهم.

 يقع مقام الصحابي الشهيد عكرمة، في محافظة عجلون، بالقرب من مثلث دير الصمادية، في المملكة الأردنية، حيث يذكر السكان أن عكرمة بن عمرو بن هشام، رضي الله عنه، قد دفن فيه.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية