رئيس التحرير
عصام كامل

شباب حول الرسول، أسيد بن حضير "أوتي مزمارا من مزامير آل داوُد"

أسيد بن حضير أوتي
أسيد بن حضير "أوتي مزمارا من مزامير آل داوُد"، فيتو

 منذ فجر الإسلام، أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتية صغار السن بالله حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من تقديس للأصنام، والأوثان، وإدمان للأدران، وصمدوا بقوة أمام ضغوط الآباء والأمهات وعتاة المشركين.

تربوا في مدرسة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة، فاستحقوا أن يكونوا قدوة للأجيال الشابة التالية.
إنهم "شباب حول الرسول".

نعرض مشاهد بديعة من قصة إسلام وحياة صحابي شاب، من سادة الأنصار، أحب الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وأخلص في إيمانه وحبه، وتوفي مبكرا، في خلافة عمر، الذي شارك في حمل نعشه، ودفنه بالبقيع.

هو أسيد بن حضير الأوسي، صحابي جليل، كان زعيما للأوس في المدينة قبل إسلامه، وورث عن أبيه مكانته، الذي كان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية ومن مقاتليهم الأشداء.
وقد ورث المكارم كابرا عن كابر، وكان صاحب فكر صاف وشخصية مستقيمة قوية وناصعة ورأي ثاقب.. أسلم في سن صغيرة، وهو سبب نزول آية التيمم.
هو أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن الخزرج، بن عمرو بن مالك بن الأَوس.
وكان أبوه حضير فارس الأوس، ورئيسهم يوم بُعاث، وقتل في تلك الموقعة.
إسلام أسيد

كان سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، قد أرسل مصعب بن عمير، رضي الله عنه، إلى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين من الأنصار، وليدعو غيرهم إلى دين الله. 
وعلم سعد بن معاذ، وكان صديقا لأسيد، فأراد أن يحرضه على مصعب، (وكان يسمونه في المدينة بـ "المقرئ")، فقال: "انطلق إلى هذا الرجل فازجره"، فحمل أسيد حربته، وذهب إلى مصعب الذي كان في ضيافة أسعد بن زرارة (من زعماء المدينة الذين سبقوا إلى الإسلام).

عند مجلس مصعب وأسعد بن زرارة، رأى أسيد جمهرة من الناس تصغي في اهتمام للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها مصعب إلى الله. 
وفاجأهم أسيد بغضبه وثورته، فقال له مصعب: "هل لك في أن تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرنا قبلته وإن كرهته كففنا عنك ما تكره". 
فقال أسيد: "هات ما عندك"، وراح مصعب يقرأ القرآن ويشرح مبادئ الإسلام. 
بدأ قلب أسيد يرق ووجهه يستشرق. فقال: "ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟".
فقال مصعب: "تطهر بدنك، وثوبك، وتشهد شهادة الحق، ثم تصلي". 
فقام من فوره ليستقبل الإسلام فاغتسل وتطهر، ثم سجد لله رب العالمين معلنا إسلامه.

بمجرد أن أسلم أسيد، قال لسيدنا مصعب: إن ورائي رجلًا (أي سعد بن معاذ) إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن. فأرسله إليهما، فأسلم سعد بن معاذ، ومن ثَمَّ أسلمت الأوس.
وشهد أسيد العقبة الثانية وكان نقيبا لبنى الأشهل.
ودخل الشام مع عمر فى فتح بيت المقدس وأثنت عليه أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها, ويكنى أبا يحيي, وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه يكرمه ولا يقدم عليه واحد ويقول أنه لا خلاف عنده.

اقرأ أيضا: شباب حول الرسول، البراء بن عازب "راوي أحاديث النبي"

واختُلف في شهوده بدرًا، وكان ممن ثبت يوم أُحد، وجرح حينئذ سبع جراحات. كان شريفًا كاملًا، وقد آخى رسول الله بينه وبين زيد بن حارثة.
ولقي أسيد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو عائد من بدر، فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذي ظفرك، وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر، وأنا أظن أنك تلقى عدوًّا، ولكني ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت. فقال رسول الله: "صدقت".

قراءته للقرآن الكريم

قال له النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: "اقرأ يا أُسيد، فقد أوتيتَ مزمارًا من مزامير آل داود".
وروى عنه أنه قال: "قرأت ليلة سورة البقرة وفرس لي مربوط ويحيى ابنى مضجع قريب منى وهو غلام، فجالت الفرس فقمت وليس لى همٌ إلا ابنى، ثم قرأت، فجالت الفرس، فقمت وليس لى هم إلا ابنى، ثم قرأت فجالت الفرس، فرفعت رأسى فإذا شيء كهيئة الظلة فى مثل المصابيح، نقيل من السماء فهالنى، فسكتُّ، فلما أصبحت عدوت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (أسرعت إليه)، فأخبرته، فقال: اقرأ يا أبا يحيى، فقلت: قد قرأت، فجالت فقمت ليس هم لى إلا ابنى, فقال لى: اقرأ يا أبا يحيى، فقلتُ: قد قرأت فجالت الفرس، فقال: اقرأ أبا الحضير، فقلت: قد قرأت فرفعت رأسى فاذا كهيئة الظلة فيها المصابيح فهالنى، فقال: "تلك الملائكة دنوا لصوتك، ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم".

عن أنس قال: جاء أسيد بن حضير إلى النبي وقد كان قسم طعامًا، فذكر له أهل بيت من الأنصار من بني ظفر فيهم حاجة، وجُلّ أهل ذلك البيت نسوة، فقال له النبي: "تركتنا يا أسيد حتى ذهب ما في أيدينا، فإذا سمعت بشيء قد جاءنا فاذكر لي أهل ذلك البيت".
فجاءه بعد ذلك طعام من خيبر شعير أو تمر، فقسّم رسول الله في الناس وقسم في الأنصار فأجزل، وقسم في أهل البيت فأجزل. 
فقال أسيد بن حضير متشكرًا: "جزاك الله أي نبي الله أطيب الجزاء". فقال النبي: "وأنتم معشر الأنصار، فجزاكم الله أطيب الجزاء؛ فإنكم ما علمت أعفة صُبُر، وسترون بعدي أثرة في الأمر والقسم، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".

موقفه من فتنة ابن سلول

في غزوة بني المصطلق، تحركت أحقاد عبدالله بن أبيّ، فقال لمن حوله من أهل المدينة: "لقد أحللتمومهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير دياركم، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل".
سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم هذه الكلمات، فأخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتألم كثيرًا، فقابله أسيد بن حضير، فقال له النبي، صلى الله عليه وآله، وسلم: "أوما بلغك ما قال صاحبكم؟".
قال أسيد: "وأيّ صاحب يا رسول الله؟". قال الرسول: "عبدالله بن أبيّ". قال أسيد: "وماذا قال؟".
قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: "زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل".
قال أسيد: فأنت والله، يا رسول الله، تخرجه منها إن شاء الله، هو والله الذليل، وأنت العزيز.
ثم قال أسيد: "يا رسول الله ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه على المدينة ملكا، فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكًا".
عن عائشة، أنها قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون إلى المدينة، فأناخ رسول الله ونزل، فبينا رسول الله راقد أقبل أبي فلكزني لكزة، ثم قال: حبستِ الناس! ثم إن رسول الله استيقظ وحضرت الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد، ونزلت: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ". قال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر! ما أنتم إلا بركة.

كان أسيد طيب الأخلاق، يميل إلى المرح، ويروي: بينما هو يحدّث القوم وكان فيه مزاحٌ، بَيْنَا يضحكهم، فطعنه النبي (وكزه بلطف) في خاصرته بعود، فقال: أَصْبِرْنِي (أَي أنه يريد القصاص؛ كما ضربه النبي يريد هو أيضًا يريد ضربه، مزاحًا). 
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "اِصْطَبِرْ" (أي خذ القصاص). قال: إن عليك قميصًا وليس عليَّ قميص، فرفع النبي عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبّل كشحه (الكشح هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي)، قال: "إنما أردت هذا يا رسول الله".

موقفه في السقيفة

في يوم السقيفة، إثر انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى بارئه، حيث أعلن فريق من الأنصار، وعلى رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم بالخلافة، واحتدمت المناقشة، فكان موقف أسيد، فعالا في حسم الموقف، فقد وقف مخاطبًا فريق الأنصار من قومه: "تعلمون أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان من المهاجرين فخليفته ينبغي أن يكون من المهاجرين، ولقد كنا أنصار رسول الله، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته".

كان أسيد بن حضير يؤم بني عبد الأشهل، وأنه اشتكى (مرض) فخرج إليهم بعد شكواه، فقالوا له: تقدم. قال: لا أستطيع أن أصلي. قالوا: لا يؤمُّنا أحد غيرك ما دمت (أي ما دمت على قيد الحياة). فقال: اجلسوا؛ فصلى بهم جلوسًا.

عن أسيد بن حضير قال: سمعت رسول الله يقول: "إنكم ستلقون بعدي أثرة". فلما كان زمان عمر قسّم حُللًا فبعث إليَّ منها بحلة، فاستصغرتها فأعطيتها ابني، فبينا أنا أصلي إذ مر بي شاب من قريش عليه حلة من تلك الحلل يجرها، فذكرت قول رسول الله: "إنكم ستلقون أثرة بعدي".
فقلت: صدق رسول الله. فانطلق رجل إلى عمر فأخبره، فجاء وأنا أصلي، فقال: صلِّ يا أسيد. فلما قضيت صلاتي، قال: كيف قلت؟ فأخبرته، قال: تلك حلة بعثت بها إلى فلان وهو بدريّ أُحديّ عقبيّ (أي حضر بدرا وأحدا وبيعة العقبة)، فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه فلبسها، فظننت أن ذلك يكون في زماني. قلت: قد والله يا أمير المؤمنين ظننت أن ذلك لا يكون في زمانك.

ثناء الرسول عليه

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد منهم يُلحق في الفضل، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر رضي الله عنهم جميعًا.

وفاته

وفي شهر شعبان من عام عشرين للهجرة مات أسيد، وحمل نعشه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فوق كتفه ودفن في البقيع.
مات أسيد وعليه دين أربعة آلاف درهم فبيعت أرضه، فقال عمر: لا أترك بني أخي عالة. فردَّ الأرض وباع ثمرها من الغُرماء أربع سنين بأربعة آلاف، كل سنة ألف درهم.


ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية