رئيس التحرير
عصام كامل

السياسة الخارجية الأمريكية تحت قيادة هاريس

يكتسب التنبؤ بمسار وتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد كامالا هاريس اهتمامًا خاصًا إذا نجحت في الاستحقاق القادم. على خلفية معطيات كثيرة ومنها كونها أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة ستصبح رئيس لأكبر دولة في العالم، وكونها أيضا ذات أصول آسيوية أفريقية. وأيضا، وجودها كرئيس في ظل متغيرات وتحديات جوهرية يشهدها العالم بعد أزمة كورونا والحرب الأوكرانية... ومعطيات أخرى كثيرة.


بادئ ذي بدء، يعتقد الكثير خطًا أن الرئيس الأمريكي يمتلك زمام الأمور في السياسة الخارجية بالكامل. والصح أن دوره في السياسة الخارجية هام ومؤثر؛ لكن يشاركه في صنع وتنفيذ السياسة الخارجية مؤسسات أخرى على رأسها الكونجرس. 

 

والأهم من ذلك، أن هناك بعض القضايا والمسائل الاستراتيجية المحسومة وعلى رأسها الحماية الأبدية لأمن إسرائيل لن يجرؤ أي رئيس أمريكي ولا أية مؤسسة نافذة كالبنتاجون أن تعيد النظر فيها أو أن تؤثر عليها بأي درجة ما.


وانطلاقا من ذلك، يمكن التنبؤ بالسياسة الخارجية لهاريس على مستويين: الأول القضايا الاستراتيجية المحسومة. والثاني القضايا التي تعد هامة واستراتيجية أيضا لكنها خاضعة بصورة شبه تامة لرؤية وتوجهات الرئيس الأمريكي.

 

فيما يتعلق بالأولى، فيمكن القول أن خلاصة ومسار السياسة الخارجية الأمريكية على مدار العقدين الماضين قد استقرت على قضيتين رئيستين يعدان الأولوية الاستراتيجية الحاسمة التي يتوجب على الرئيس الأمريكي تنفيذهما، وتكثيف كل الجهود لرعايتهم، ورسم التوجهات الاستراتيجية العامة بناء عليهم. وهما، حماية أمن إسرائيل-الالتزام الأبدي- وتقويض القوة الصينية أو الصعود الصيني.  


وهنا وجب الإشارة أن حسم تلك القضيتين كأولوية استراتيجية مجمع عليها نخبويا وأكاديميا؛ لا يعنى إلزام السلطة التنفيذية المتمثلة في مؤسسة الرئاسة بنهج محدد حرفيا للتعاطي معهم. حيث يترك للرئيس والأصح الحزب حرية اختيار الاستراتيجية الملائمة للتعاطي مع القضايا الاستراتيجية.


وبالتالي؛ فمن حيث المبدأ يتوقع أو يرجح على نحو كبير عدم حياد هاريس عن النهج الأساسي للحزب الديمقراطي فيما يتعلق بتلك القضيتين تحديدا. وقد تبدى ذلك بوضوح من خلال تصريحاتها المتكررة بشأنهما والمناظرة الأخيرة مع ترامب. 

 

ففيما يتعلق بالصين فالمتوقع استمرار هاريس في استراتيجية التنافس الاستراتيجي القائمة على تكثيف التحالفات في منطقة الباسيفيك والمحيط الهندي. وهى الاستراتيجية المفضلة للحزب الديمقراطي والتي توسع فيها بايدن بمشاركة هاريس لاحتواء الصين. 

 

بيد أن الحزب الجمهوري عموما وترامب خصوصا يفضل سياسة المواجهة الخشنة الصريحة مع الصين خاصة من خلال الحرب التجارية الرامية إلى تدمير الاقتصاد الصيني.


أما فيما يتعلق بحماية أمن إسرائيل، خاصة في ضوء التصعيد الهائل من جانب إسرائيل الرامية إلى إغراق المنطقة في حرب شاملة مدمرة. فتعاطى هاريس بحسب ما ذكرته مرارًا في شان الحرب في غزة، من المتوقع-عملا باستراتيجية الحزب الديمقراطي- الحفاظ على دعم وتفوق إسرائيل حيث ذكرت ذلك صراحة، جنبا إلى جنب مع تكثيف الجهود لإنهاء حالة الاحتقان خاصة في غزة، والعمل على الحل السلمى على أساس حل الدولتين. 


وهنا وجب الإشارة أن هذا ما ترغبه وستعمل عليه هاريس وهذا في حد ذاته أمر محمود ونترجاه، حيث من المتوقع الأسو ودعم مطلق لإسرائيل حال فوز ترامب. ومع ذلك، فليس بوسع هاريس تقديم أكثر من ذلك أو بعبارة واضحة الضغط على إسرائيل للعودة للتفاوض وإنهاء حالة السعار العنيف؛ إذا أخذت الأمور منحى أكثر سوءا وتعقيدًا. 

ولنا في بايدن خير مثال حيث سطوة حكومة نتنياهو على إدارته التي انعكست في استمرار الدعم العسكري وإفشال مفاوضات الهدنة في غزة والعجز التام عن ثنى إسرائيل عن سياسة التصعيد ضد حزب الله وإيران.


أما فيما يتعلق بالمستوى الثاني فهي قضايا متنوعة من حيث الأهمية الاستراتيجية والتأثير، حيث تضم الدعم الأمريكي للحرب الأوكرانية، والتغير المناخي، والهجرة، والتجارة الخارجية، ومكافحة الإرهاب، والدفاع عن حقوق الإنسان.. وغيرها. 

 

واختصار تعد الحرب الأوكرانية من القضايا الاستراتيجية الأكثر إلحاحا لواشنطن في الوقت الراهن، لكن من المرجح أن لا تحيد هاريس عن نهج بايدن تجاهها حيث يصنع ويوجه هذا النهج من جانب الدوائر الداخلية النافذة خاصة البنتاجون.

 


أما فيما يتعلق بباقي القضايا الأخرى بشتى أنواعها، فالجديد المتوقع هو نهج خاص لهاريس قائم على ثوابت الحزب الديمقراطي ورويتها الخاصة استنادا إلى كونها إمرأة إبنة أسرة مهاجرة أي تحمل نسق عقيدي خاص منحاز، تسعى إلى تميز نفسها عن بايدن كما صرحت. فضلا عن توليها في فترة متغيرات وتحديات جذرية في النظام الدولي. وعلى نحو عام سيكمن تفرد هاريس في ثلاثة قضايا رئيسية الهجرة والبيئة وحقوق الإنسان.

الجريدة الرسمية