من سيصوت لكامالا هاريس؟!
في تصريح أخير لها قالت كامالا هاريس "لست المرشحة الأوفر حظا لكنني سأكافح لهزيمة ترامب". وفى معظم استطلاعات الرأي منذ إعلانها خوض السباق الرئاسي، تشير إلى تقلص الفارق بينها وبين ترامب، لكن ترامب مازال الأوفر حظا.
ويشير ذلك بصورة عامة أن ترامب هو الأقرب للبيت الأبيض في 2025 وفرص تحقيق هاريس لمعجزة صعب إلى حد بعيد. وهنا ينبغي إثارة سؤالين رئيسيين، أولهما لماذا فرص هاريس ضعيفة؟ والثاني، لماذا حصدت هاريس على دعم شعبي أكبر من بايدن؟ ويتبين ذلك من استطلاعات الرأي والزخم الإعلامي والشعبي حول هاريس في فترة وجيزة، بينما حصل بايدن في الاستطلاعات قبل قرار الانسحاب على مستويات متدنية للغاية من التأييد.
تعد عملية التصويت أو الاختيار الشعبي لرئيس الولايات المتحدة معقدة بعض الشيء، كما طرأ بعض من التغيرات في المجتمع الأمريكي في العقدين الماضيين حولت بدورها من سلوك الناخب الأمريكي تجاه أية انتخابات، ثمة قطاع عريض من الأمريكيين منتمى للحزب الديمقراطي أو متعاطف معه يصوت للمرشح الديمقراطي بصرف النظر عن من يكون فتصويته له هو بمثابة ولاء مطلق. وينطبق نفس الأمر على الحزب الجمهوري.
في مقابل ذلك، ثمة قطاع عريض من الأمريكيين، بل ولايات كاملة تسمى الولايات المتأرجحة، والتي تقليديا حاسمة في انتخابات الرئاسة، لا تنتمى للحزبين الكبيرين، وفى الأغلب تحسم أمرها بالتصويت لمرشح محدد بناء على اعتبارات اقتصادية.
والولايات المتأرجحة ومعها الكثير من الأمريكيين غير المنتمين لحزب محدد، قد حسمت تصويتها سلفا لصالح ترامب وفقا لاستطلاعات الرأي على خلفية الفشل الاقتصادي لبايدن والحزب الديمقراطي عامة.
وفيما يتعلق بكامالا هاريس فلايزال التأييد لصالح ترامب في تلك الولايات بحسب الاستطلاعات، التي ترى فيه رجل اقتصادي محنك قادر على قيادة اقتصاد أمريكا للتعافي، وذلك مقارنة بهاريس التي تفتقد إلى أية خبرة اقتصادية، بل وسياسيًا ليس لها خبرة واسعة.
في العقدين الماضيين، حدث تحول جوهري في المجتمع الأمريكي نتيجة لعدة أسباب من بينها التغير في التركيبة المجتمعية الأمريكية، والتي بدورها قد عمقت من حدة الانقسام الأمريكي وتعتبر من أهم أوجه الانقسام الأمريكي. وفى خضم ذلك، غدى قطاع واسع لاسيما من الأقليات العرقية، ينحاز لما يطلق عليه مجازًا المرشح الملون بغض النظر عن من هو أو كفاءته.
ويتبدى ذلك بجلاء من استطلاعات الرأي التي أجريت في معاقل وتجمعات الأقليات خاصة ذات الأصول الأفريقية واللاتينية، حيث ارتفع التأييد لهاريس. وتتبدى المفارقة هنا أن أغلب الأقليات تنحاز للحزب الديمقراطي؛ ومع ذلك لم يحصل بايدن على نفس التأييد من تلك الأقليات، بل أشارت بعض الاستطلاعات إلى أن قطاع لا يستهان به من تلك الأقليات كان سيصوت لترامب بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية.
وتتميز كامالا هاريس عن أي مرشح رئاسي سابق غير أبيض وخاصة أوباما، بأنها ذات أصول أفريقية آسيوية هندية تحديدا مشتركة، فقد وصل التأييد لهاريس خارج حدود الولايات المتحدة خاصة في المعابد الهندية الهندوسية التي أجرت بعضها صلوات خاصة داعمة لهاريس.
يعد كل من ترامب وهاريس أو شعبيتهما المطردة انعكاس لظواهر أخذه في التفشي الخطير داخل المجتمع الأمريكي. فترامب إنعكاس واضح لتفشى العنصرية البيضاء، والشعبوية، والانعزالية. أما هاريس فهي انعكاس أيضا لتفشى وحش النسوية الأمريكية، إذ بالإضافة إلى إعلان بعض من هذه الحركات النسوية تأييدها لهاريس كونها امرأة، بدأت في تجميع الأموال لدعم حملتها.
والخطورة الشديدة في الحركات النسوية خاصة ذات الميول المتطرفة التي بدأت تلقى تأييدا واسعا من قبل الديمقراطيين، تكمن في تكريسها لقيم تعد غريبة عن المجتمع الأمريكي وتؤدى إلى تدميره، وعلى رأسها الحق المطلق في الإجهاض دون استثناءات منطقية كالاغتصاب، وهو ما تدعمه كامالا هاريس على استحياء. وهذا بدوره يدعم ترامب وقطاع عريض من أنصاره ذات الأصول الدينية المتشددة.
نافلة القول، على الرغم من فرص كامالا هاريس الضعيفة في هزيمة ترامب. إلا أن هاريس أصبحت تعكس بوضوح، ومعها ترامب بالقطع، تحول خطير في المجتمع الأمريكي، ونمط السلوك التصويتي التقليدي للناخب الأمريكي. وهذا ينذر إلى أن التصويت على أساس عرقي أو طائفي، بدلا من الولاء الحزبي ومعيار الكفاءة الاقتصادية كمعايير تقليدية، سيكون المحدد الرئيسي للناخب الأمريكي خلال العقد القادم.