شباب حول الرسول، عثمان بن مظعون "أول مسلم يُدفن بالبقيع"
منذ فجر الإسلام، أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتية صغار السن بالله حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنفُ البيئة المحيطة من تقديسٍ للأصنام، والأوثان، وإدمانٍ للأدران، وصمدوا بقوةٍ أمام ضغوطِ الآباءِ والأمهاتِ وعتاةِ المشركين.
تربَّوا في مدرسةِ الرسولِ، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحابَ فكرٍ سديدٍ، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنَّهم "شبابٌ حوْلَ الرسول".
حديثنا اليوم عن صحابي شاب، تمثل حياته أسمى معاني الحب، والفداء، والتضحية، والتفاني، وتقدم الكثير من الدروس لملايين الشباب.
كان عثمان بن مظعون من أوائل المهاجرين إلى الحبشة، وأول المهاجرين وفاة بالمدينة، وأول مسلم يُدفن بالبقيع.
عندما علم ببعثة النبي، انطلق يرافقه كل من عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح، حتى أتوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فعَرَض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعًا في ساعةٍ واحدةٍ، وذلك قبل دخول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دار الأرقم، وقبل أن يتخذها مركزا للدعوة الى الإسلام في سنواته الأولى.
حرَّم على نفسه الخمر قبل الإسلام، وقال: " لا أشرب شرابًا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي".
فلمَّا حُرِّمت الخمرُ، قيل له: يا عثمان، قد حُرِّمت الخمر. فقال: تبًّا لها قد كان بصري فيها ثاقبًا.
هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب الجمحي، وهو أخو سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، من الرضاعة.
من أوائل المسلمين، وشارك مع ابنه سائب بن عثمان بن مظعون في الهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة، وغزوة بدر.
وزوجته هي أم حكيم، خولة بنت حكيم الأنصاري التي اقترحت على النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، الزواج من السيدة عائشة وسودة بنت زمعة، بعد وفاة السيدة خديجة، رضي الله عليها.
امرأة مسلمة وهبت نفسها للنبي
وفي التفاصيل؛ لما توفيت السيدة خديجة، جاءت خولة بنت حكيم، وقالت: يا رسول الله ألا تتزوج؟. قال، صلى الله عليه وآله وسلم: من؟. قالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا. قال: فمن البكر؟ قالت: ابنة أحب خلق الله عز وجل إليك؛ عائشة بنت أبي بكر.. قال: ومن الثيب؟.. قالت: سودة ابنة زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول.
وكانت خولة نفسها قد وهبت نفسها للنبي، صلى الله عليه وسلم، فأرجأها، فتزوجها عثمان بن مظعون.
ولعثمان بن مظعون ولدان هما عبد الرحْمن وسائب.
آخى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، بعد الهجرة بين عثمان بن مظعون ومالك بن التيهان، كما آخى بينه وبين عباس بن عبادة، الذي استشهد في معركة أحد.
استُشِهَد ابنه سائب يوم اليمامة، وهو ابن بضع وثلاثين سنة.
سنوات في الحبشة
ولأنه كان من السابقين الأولين الذي سارعوا إلى الاستجابة لله ولرسوله، فقد ناله الأذى والضر من قريش. فرأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يحمي هذه القلة المؤمنة المضطهدة فأمرهم بالهجرة إلى الحبشة.
وكان عثمان بن مظعون أمير الفوج الأول من المهاجرين، مصطحبا معه ابنه السائب، وكان ذلك في السنة الخامسة للبعثة.
اقرأ أيضا: شباب حول الرسول، مصعب بن عمير.. من حياة الرفاهية إلى الزهد والكفاح
قضى عثمان بن مظعون عدة سنوات في الحبشة عند النجاشي الملك العادل الذي لا يُظلم عنده أحد، حتى جاءت الأنباء بان قريش اسلمت مع النبي، صلى الله عليه وسلم، لله، فوقع الخبر السار في قلوب المؤمنين المغتربين الحالمين بالعودة لمكة المكرمة، فحزموا أمتعتهم وطاروا لأم القرى، ولكنهم ما كادوا يصلون إلى مشارف مكة حتى اكتشفوا كذب الخبر الذي بلغهم عن إسلام قريش.
فتفرقوا ورجع بعضهم إلى الحبشة ودخل البعض الآخر مكة مستخفيًا، وبينما دخل البعض في جوار بعض سادة المشركين.
في جوار الوليد بن المغيرة
ودخل أبو السائب، رضي الله عنه، في جوار الوليد بن المغيرة، ولما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من البلاء، وهو يتحرك في مكة في أمان بسبب جوار الوليد بن المغيرة، قال: والله إن غدوي ورواحي آمنًا في جوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كثير في نفسي.
فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، قد رددتُ إليك جوارك.
قال الوليد: لم يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي؟!
قال عثمان: لا، ولكني أرضى بجوار الله عز وجل ولا أريد أن أستجير بغيره.
قال الوليد: فانطلق إلى المسجد، فاردد على جواري علانية كما أجرتك علانية.
قال عثمان: فانطلق، فخرجا حتى أتيا المسجد.
فقال الوليد بن المغيرة: هذا عثمان قد جاء يرد على جواري.
قال عثمان بن مظعون: صدق، قد وجدته وفيًّا كريم الجوار، ولكني قد أحببت ألا أستجير بغير الله، فقد رددتُ عليه جواره.
وجلس عثمان بن مظعون، رضي الله عنه، مع الشاعر لبيد بن ربيعة في مجلس من قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان.
فقال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل. فقال عثمان: صدقت، فقال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل.
فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول.
فقال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم؟!
فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدن (لا تغضب) في نفسك من قوله.
فرد عليه عثمان حتى اشتعل الخلاف بينهما، فقام إليه ذلك الرجل ولطم عينه فأفقده إياها، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما حدث لعثمان.
فقال الوليد بن المغيرة: والله يا ابن أخي، إن كانت عينك عما أصابها لغنية، ولقد كنت في ذمة منيعة.
قال عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس.
قال له الوليد: هلم يا ابن أخي إلى جوارك فعد.
قال عثمان بن مظعون: لا.
ورغم إصابة عينه، إلا أنه كان من القلائل الذين شهدوا بدر الكبرى، فغفر الله لهم.
لا رهبانية في الإسلام
وكان عثمان بن مظعون، رضي الله عنه، عابدًا مجتهدًا من فضلاء الصحابة.
دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، فرأينها سيئة الهيئة، فقلن لها: ما لك؟ فما في قريش أغنى من بعلك! قالت: أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم، فلقيه النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: "أما لك بي أسوة"؟. فأتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروسٌ.
ورُوِي أن عثمان بن مظعون قعد يتعبد، فأتاه النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا عثمان! إن الله لم يبعثني بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة".
كما رُوي أنه كان هو وعلي بن أبي طالب وأبو ذر، رضي الله عنهم، همّوا أن يختصوا ويتبتلوا، فنهاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك. ونزلت فيهم: "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا".
وعن ذلك قال سعد بن أبي وقاص: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ولو أذن له لاختصينا.
ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون، قائلا: "إنّ ابن مظعون لَحَييٌّ سِتّيرٌ".
وفاته
عثمان بن مظعون هو أول من توفي في المدينة من المهاجرين في شعبان، بعد شهر من هجرة النبي إلى المدينة، ودُفن في البقيع.
قَبَّل الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، عثمان بن مظعون بعد موته، ومكث، صلى الله عليه وسلم، متكئًا عليه طويلًا، ثم تنحى فبكى، فبكى أهل البيت، فقال: "إلى رحمة الله أبا السائب".. وقال: "رحمك الله يا أبا السائب؛ خرجتَ من الدنيا وما أصبتَ منها ولا أصابت منك".
وقال: "نعم السلف لنا هو عثمان بن مظعون".
وُدفِن عُثمان بن مظعون في القسم الأوسط من مقبرة البقيع، ونقل ابن أثير أن النبي ميّز مدفنه بحجر، وقال: هذا قبر فرطنا (من سبقنا إلى الآخرة).
وكان يزوره بين حين وآخر، وكانت هذه العلامة موجودة على قبره: "سلام الله عليك يا سيدي عثمان ابن مظعون".
وودع الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، ابنته رقيّة، حين ماتت، قائلا: "الحقي بسلفنا الخيّر، عثمان بن مظعون".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.