من بديعة مصابني إلى الشاشة الكبيرة.. مسيرة إسماعيل يس في ذكرى مولده.. فنان أضحك الملايين وعاش حياة الفقراء.. قدم أكثر من 500 فيلم.. وحجزت الضرائب على أمواله
إسماعيل يس، فنان كوميدي أضحك الملايين، وما زال يضحكنا كبارا وصغارا، أطلق عليه الجمهور لقب سمعة، ووصفه الكاتب محمود السعدنى بـ"الغلبان".
من السويس إلى القاهرة ثم الاسكندرية ومنها إلى الزمالك وأخيرا إلى البساتين قضى إسماعيل يس عمره ستين عاما منذ مولده عام 1912 حتى رحيله عام 1972، وعانى فى أواخر حياته من الفقر والحرمان.
عندما شاهد نجم الاستعراض الفرنسى موريس شيفارليه الفنان إسماعيل يس على مسرح بديعة مصابنى أعلن إعجابه به وقال: “لديه من الصفات التى تجعل منه نجما من نجوم الاستعراض ولو تعلم الفرنسية لأصبح نجما على المسرح الفرنسى”.
ابن السويس الذى أصبح أشهر مضحك
ولد إسماعيل يس بمدينة السويس فى مثل هذا اليوم عام 1912، كان والده يعمل فى مهنة صياغة وتشكيل الذهب ومشهور فى مدينته، ووالدته كانت تعمل تاجرة أقمشة وزيوت، وبعد وفاة أمه تركه والده وتزوج، وقامت جدته لأمه بتربيته.
عشق إسماعيل يس الغناء منذ صغره، وكان شديد الإعجاب بأغانى الفنان محمد عبد الوهاب، ظنا منه أنه يستطيع منافسة عبد الوهاب فى الغناء، وبعد رحيل والدته انتقل إلى بيت جدته ومنها حضر إلى القاهرة من أجل الغناء بعد أن سرق منها ستة جنيهات من أجل دخول معهد الموسيقى، فغنى في كازينو بديعة ونام في المساجد، وعمل مطربا فى البداية ثم فشل فعاد إلى السويس وأجبرته الحياة أن يعمل في أكثر من مهنة فعمل كمنادٍ أمام أحد المحال التي تبيع الأقمشة، كما عمل مناديا للسيارات.
عندما بلغ إسماعيل يس السابعة عشرة من عمره عمل صبيًا بأحد المقاهي في شارع محمد علي وكانت إقامته في الفنادق الشعبية الصغيرة، ثم التحق بالعمل مع "الأسطى نوسة" أشهر الراقصات الشعبيات آنذاك، وكان يبات لياليه بمسجد السيدة زينب توفيرا لمصاريف السكن حتى أصدر وزير الأوقاف وقتئذ قرارا بغلق المساجد ليلا.
فى القاهرة عمل اسماعيل يس مؤديا للمونولوجات فى الأفراح، ثم فى محطات الإذاعة الأهلية مثل محطة فيولا ومحطة إلياس، كما تنقل بين الصالات حتى تعاقدت معه الإذاعة المصرية عام 1934 فقدم أول مونولوج يغنيه (يا حلة العدس الدافى.. يسلم ايدين اللى غلاكى) على وزن أغنية عبد الوهاب يا وردة الحب الصافى.
حبيبى كوكو أول مسرحياته
بعد شهرته فى الملاهى اتجه إسماعيل يس إلى التمثيل للمسرح ففى عام 1954 قدم أول مسرحياته باسم "حبيبى كوكو" وفى عام 1966 قدم آخر مسرحياته باسم "حكاية جواز" وبينهما 50 مسرحية كتبها جميعا أبو السعود الإبياري منها "عقول الستات، فتافيت السكر، الرجالة عايزة كدة، حرامى لأول مرة، ليلة دخلتى، علشان خاطر الستات، ضميرى واخد أجازة، جوزى بيختشى، كل الرجالة كدة، أنا عايزة مليونير، الستات عايزة إيه، أنا وأخويا" وغيرها.
اتجه إلى السينما وقدمه صلاح أبو سيف في نهاية الثلاثينيات في فيلم شورت، ثم قدمه فؤاد الجزايرلى معه في فيلم "خلف الحبايب" عام 1949 ليقدم خلال مشواره السينمائى أكثر من 500 فيلم بدأت بفيلم "على بابا والأربعين حرامى" عام 1943، ومن أشهر أفلامه “إسماعيل يس فى الجيش، فى البوليس، فى الطيران، فى الأسطول، فى مستشفى المجانين، فى البحرية، عنبر” حيث غنى فيه اسكتش اللى يقدر على قلبى مع ليلى مراد، المليونير الفقير، الآنسة حنفى، حلاق السيدات وكان آخرها "الرغبة والضياع" الذى لم يستكمل تصويره عام 1972.
تعرض إسماعيل يس لمضايقات من بعض المسئولين بسبب "نكتة" أطلقها دفع ثمنها غاليًا من مجده ومكانته، فبعد أن كان نجمًا تعشقه الملايين يقدم فى العام الواحد عشرة أفلام.
انحسرت عنه الأضواء بعد صدور قرارات رقابية بعدم تمثيله لدور السيدات، وحجزت الضرائب على أملاكه وعاد الى غناء المونولوجات فى الملاهى حتى أصابه المرض ورحل.
بكفاحى حققت ما أتمناه
كانت آخر كلمات إسماعيل يس قبل الرحيل: أحمد الله لأننى بكفاحي استطعت تحقيق كل ما تمنيته إلا أننى حزين أن تنتهي حياتي بهذا الشكل بعد أن اضطهدتنى البلد التي عملت كثيرا من أجلها. لكن دائما النهايات الصعبة في حياة الفنان لا يشعر بها الذين أضحكهم، صورتي في السينما أفسدت حياتي إلى حد بعيد، ودائما تقلقني أدواري في حياتي الخاصة.. أن أكثر الناس يخلطون بين أدواري وبين شخصيتي في الحياة؛ لكني أقول لجمهوري هنا الفن فن.. والحياة حياة، فالجمهور لا يرى في حياتي سوى الجانب الساخر والمرح، ولا يتصور أحدهم مطلقًا أن سمعة يمكن أن يكون حزينا أو غاضبا أو مبوزا،وقد سبب لي هذا كثير من الحرج وأحيانا الألم.. وأنا أبتسم كثيرا وأضحك كثيرا بحكم العادة فقط، وأحيانا لا تكون هناك أي صلة بين قلبي وبين ابتسامتي، وعندما تصبح الابتسامة صناعة والضحك مهنة لا يكاد المرء يجد فيها السعادة التي يجدها الآخرون في فكاهاتي.
غير نادم على مشوارى
وأضاف الفنان إسماعيل يس: لست أعني هنا أنني دائمًا حزين لكني إنسان وحياتي كحياة كل الناس لها جانبها المرح وجانبها الحزين، وقد فشلت في أن أقنع الناس بهذه الحقيقة وكانت النتيجة أني أصبحت أبتسم إذا حزنت وأبتسم إذا كنت سعيدًا أما الجمهور فإنهم يضحكون في الحالتين لكنى فى النهاية والحمد لله غير نادم على مشوارى الطويل..