رئيس التحرير
عصام كامل

شبابٌ حول الرسول، زيد بن حارثة "الصحابي الوحيد الذي ذُكر اسمه في القرآن"

ضريح زيد بن حارثة،
ضريح زيد بن حارثة، رضي الله عنه، فيتو

 مثلما أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، كان هناك فتية آمنوا بربهم، وجهروا بالإسلام وهم حديثو السن، بعضهم لم يناهز الصبا، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من أصنام، وأوثان، وأدران، تخبَّط فيها آباؤهم وأمهاتهم.

تربوا على مراقبة تصرفات النبي، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.

كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، ولم يرضخوا لضغوطات الأهل، والقبيلة، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.

إنهم "شباب حول الرسول".

نعرض في الحلقة الثالثة قصة زيد بن حارثة، حِب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وابنه بالتبني، قبل أن يبطله الإسلام، حتى سمي “زيد بن محمد”، منذ التقى بالنبي، إلى استشهاده.

في أول مواجهة عسكرية بين المسلمين والروم، حشد هرقل قائدُ الرومِ نحوَ مائةِ ألف من جنوده، ومثلَهم من قبائل عربية في المنطقة.

 كانت قوةُ المسلمين في معركة مؤتة لا تزيد عن ثلاثة آلاف مقاتل، يقودهم صحابيٌ من المقربين إلى رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو زيدُ بنُ حارثة.. وكان أول ثلاثة من القادة، الذين أبدوا شجاعة خارقة، قبل أن ينالوا الشهادة. 

 

نشأة زيد

 هو زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب، أبو أُسامة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نشأ في كَنَفِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله، وسلم، في مكة، قبلَ البعثةِ النبويةِ بسنوات.

كان يسمى “زيد بن محمد”، وكان لصيقا بالرسول حتى سافر معه في التجارة إلى الشام.. وزوَّجَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم مُرَبِيَتَه أمَّ أيمن، فأنجبتْ له أسامة. 

وعندما ذهبَ النبي إلى الطائف كان برفقته زيدُ بن حارثة. وهناك تعرض الرسولُ وزيدٌ للأذى الشديد.

وبعد الهجرة إلى المدينة المنورة، شهد زيدٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهدَ كلها. 

وكان مقاتلا شجاعًا، ومن أحسنِ الرماة. فاشترك في غزوة بدر، وبايعَ النبيَّ على الموتِ في أُحد، وحضرَ بقية الغزوات، وجعله النبيُ أميرًا على سبعِ سرايا.

وصفَهُ الواصِفون بأنَّهُ كان قصير القامة، شديد السُّمْرة، في أنفِهِ فطَس.

هذا الصحابيُّ الجليل كانت له، قبل أنْ يُبْعَث النبي، قِصَّة عجيبة، وهي أنَّ زَيْدًا عندما كان عُمرهُ لا يزيد على ثماني سنوات، أَتَوْا به إلى سوق عُكاظ وباعوه عَبْدًا، لماذاَ؟ 

فقد أرادت أمه سعدى بنت ثعْلبة أن تزور قومها بني معن، وكانت تصحب معها ابنها زيد بن حارثة، فما كادت تحِلُّ في ديار قومها حتى أغارت عليهم خيلٌ لبني القيد، فأخذوا المال واستاقوا الإبل وسبوا الذراري، هكذا كانت عادات العرب في الجاهلية.

 

زيد بن محمد

 باعوا زيدا في سوق عُكاظ عبدًا، واشتراه حكيم بن حَزام بن خُوَيلِد بأربعمائة درهم، واشترى معه طائفةً من الغلمان وعاد بهم إلى مكة، فلما عرفت عمَّتُه خديجة بنت خُوَيلد بمقدمة زارته مسَلِّمةً عليه مرَحِّبةً به، فقال:

"يا عمَّةُ؛ لقد ابتعتُ من سوق عُكاظٍ طائفةً من الغلمان فاختاري أيَّا منهم تشائين فهو هديَّةٌ لكِ"، فتفرَّست السيدةُ خديجةُ وجوه الغلمان، واختارت زيدَ بنَ الحارثة لِما بدا لها من نجابته، ومضتْ به.

 وما هو إلاَّ وقتٌ قليلٌ حتَّى تزوَّج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من خديجةُ بنتُ خويلد، فأرادت أن تُطرِفه، أي تتحفه بتُحفة وهدية، فأهدت له غلامها زيد بن حارثة، فأعتقه النبي عليه الصلاة والسلام فورًا.

بقِيَ عند النبي.. ليس باعتباره عبدًا، إنما بقي عنده ضيفًا، أما أُمُّه وأبوه فقد بَكَيَا عليه كثيرًا وبَحَثاَ عنه كثيرًا، وفي موسمٍ من مواسم الحجِّ قصَدَ البيتَ الحرام نفرٌ من قوم زيدٍ، وفيما كانوا يطوفون بالبيت العتيق، إذْ هم بِزَيدٍ وجهًا لوجهٍ، فعرفوه وعرفهم وسألوه وسألهم، وقال زيدٌ لهؤلاء: أخبروا أبي أني مع أكرمِ والد.. ولما قضَوْا مناسكهم وعادوا إلى دِيارِهم أخبروا أباه.

لما علم حارثة أنَّ ابنه فَلِذَةُ كَبِدِه بِمَكَّة عند سيدنا محمد، شَدَّ راحِلَتَهُ وهيَّأ المبلغ الكبير لافتدائه، تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مكَّة المُكَرَّمة ومعه أخوه، فلما دخلا على سيدنا محمد، قالاَ له:

"يا بن عبد المُطَّلب أنتم جيران الله تَفُكُّون العاني، وتُطْعِمون الجائِع، وتُغيثون الملْهوف، وقد جِئْنا في ابننا الذي عِندك، وحَمَلْنا إليك من المال ما يفي به، فامْنُنْ علينا وفاده لنا بما تشاء واطْلُب المبلغ الذي تريد، فقال عليه الصلاة والسلام وهو سيّد الخلق: ومن ابْنُكُما الذي تَعْنِيان؟

 فقالاَ: غُلامك زَيْدُ بن حارِثَة، فقال: وهل لكما فيما هو خيرٌ من الفِداء؟ فقالا: وما هو؟ قال صلى الله وسلم: "أدْعوه لكم فَخَيِّروهُ بيني وبينكم، فإنْ اخْتاركم فَهُو لكم بِغَيْر مال, وإن اخْتارني فما أنا بالذي يرغب عمن اخْتاره".

فقال العمّ والأب: واللهِ قد أنْصَفْت وبالغتَ في الإنصاف، فَدَعا النبي زيْدًا، فقال: من هَذان؟ قال: هذا أبي حارثة ابن شُرَحْبيل، وهذا عمِّي كَعْب، فقال: يا زيد، قد خَيَّرْتك إنْ شِئتَ مَضَيْتَ معهما، وإن شِئتَ أقَمْتَ معي، فقال زيدٌ من غير تَرَدُّدٍ ولا إبْطاء: بل أُقيمُ معك، وما أنا بالذي أخْتار عليك أحدًا أنت الأب والعمّ، فقال أبوه: وَيْحَكَ يا زيد، أَتخْتارُ العُبودِيَّة على أبيك وأمِّك؟ قال: "إني رأيْتُ من هذا الرجل شيئًا أنْساني كُلَّ إنْسان، ما أنا بالذي يُفارقُه أبدًا".

فلما رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، من زَيْدٍ ما رأى أخذ بِيَده وأخْرجه إلى البيت الحرام، ووقف به بِالحِجْر على ملأ من قُرَيش. وقال: يا معْشَر قُرَيْش، اِشْهدوا أنَّ هذا ابني يَرِثُني وأرِثُهُ، عندئِذٍ طابتْ نفسُ أبيه وعَمِّه وخَلَّفاهُ عند محمّدٍ بن عبد الله وعادا إلى قوْمِهما مُطْمئِنّي النفس ومُرْتاحي البال.

ومنذ ذلك الوقت أصبح زيدُ بن حارِثة يُدْعى بِزَيْد بن محمّد.

 

القرآن يبطل التبني

فلما بُعِثَ النبي عليه الصلاة والسلام، وأبْطَلَ الإسلامُ التَبَني حيث نزل قوله عز وجل:

"ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا".

عندَئِذٍ عاد النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وناداهُ زيد بن حارثة اِمْتِثالًا لأمر الله، فإكْرامًا له عندما ردّه إلى أبيه، ذكر الله اسمه في القرآن الكريم تطيبًا لخاطره، وهو الوحيد الذي ذكِر في القرآن الكريم، إذْ ليس في القرآن الكريم اسم لصحابي إلا سيّدنا زيد، والآية قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾.

تروي السَيِّدة عائِشَة رضي الله عنها مشْهدًا، تقول: قَدِمَ زيد بن حارِثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلَّم في بيتي فقَرَعَ الباب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتَخَفِّفًا من ثِيابه، فلما علِمَ أنَّ زيْدًا قد جاء فَمِن شِدَّة شَوْق النبي لِزَيْدٍ واهْتِمامه به نَسِيَ أنْ يرْتَدي ثِيابه الخارِجِيَّة، فلما قرع الباب قام إليه النبي، صلى الله عليه وسلم، بِثِيابه الخفيفة، ومضى نحو الباب يَجُرُّ ثَوْبَهُ فاعْتَنَقَهُ وقبَّلَهُ، ووالله ما رأيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يسْتقبل أحدًا قبله ولا بعده بِهذه الثِّياب.

ولشدةِ قربه منه زَوَّجه ابنةَ عمتِه زينبَ بنتَ جحش، ولكنْ لم تَدُمِ الحياةُ الزوجيةُ بينهما. ونزل في أمرِ هذا الزواج حكمٌ قرآني، وَردَ فيه اسمُ زيدٌ رضي الله عنه. وهو الصحابيُ الوحيدُ الذي ذُكِرَ اسمُه في القرآن الكريم، في سياقِ النهيِ عن نسبةِ الناسِ إلى غيرِ آبائهم.

 وآخى النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.

 

زوجة زيد بن حارثة 

وكان زيد بن حارثة رضي الله عنه زوج السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها، قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 واستُشهد زيد رضي الله عنه يوم مؤتة سنة 8 من الهجرة، ولما استشهد جلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد يعرفُ في وجههِ الحزن.

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية