رئيس التحرير
عصام كامل

لا.. لا.. لا تكتبى!

منذ سنوات طويلة عندما كان للصحافة هيبتها وقيمتها، وكان قلم الصحفى الشريف يقيل حكومات، ويطيح بكراسى وزراء، ويقض نوم رؤساء الوزارات في مضاجعهم، وعندما كانت الكلمة في الجريدة تكال بمكيال الذهب.. وعندما كانت الصحافة بالفعل هى السلطة الرابعة.


حكى لنا الأستاذ عبد الفتاح الديب شيخ المحررين البرلمانيين وأستاذ الأساتذة، أن الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي كان واحدا من كتاب المقالات في أخبار اليوم، وقد فوجئ ذات صباح بأن هناك كلمة تم حذفها من مقاله، فأخذ قراره على الفور بالتوقف عن الكتابة لأخبار اليوم..

 

وفي العدد الجديد انتظر الكاتب الكبير مصطفى أمين رئيس مجلس إدارة ومؤسس ومالك أخبار اليوم مقال عبدالرحمن الشرقاوي، ففوجئ بما حدث وبقرار الشرقاوي، فاتصل العملاق مصطفى أمين بالأستاذ عبدالرحمن الشرقاوى تليفونيا ليعتذر، ويؤكد له أن ما حدث كان خطأ غير مقصود، وأن الكلمة سقطت سهوا من عامل الجمع اليدوى.. 

 

إلا أن عبدالرحمن الشرقاوي أصر على موقفه معتبرا أن حذف كلمة من مقاله أو إغفالها سهوا، هى جريمة وإهانة لا تغتفر في حق الكاتب، فما كان من الأستاذ مصطفى أمين إلا أن توجه بسيارته إلى بيت عبدالرحمن الشرقاوي، ليقدم له الاعتذار بنفسه ويتأبط ذراعه ليتوجها سويا إلى أخبار اليوم، البيت الكبير، لأنه لا يمكن أن يقبل إهانة كاتب، أو خسارة قلم حر له وزنه.
 

سمعت هذه القصة وتحسرت على حال صحافتنا القومية، وعلى أقلام كتابها الكبار المحترمين، الذين كتب عليهم أن يشهدوا اليوم الذى تمنع فيه مقالة لكاتب لأنها لا تروق لمزاج السيد رئيس التحرير، أو لأنها لا تتفق مع مصالحه الشخصية في الجهة التى يعمل بها بجانب رئاسته لتحرير صحيفة قومية عريقة!


لهذا فأنا ألتمس العذر للقارئ الذى أصبح ساخطا على الصحافة القومية لما تحتويه من موضوعات لا تخصه في شيء، ولما تحمله من أخبار ورديه لا تعبر بصدق عن معاناته اليومية مع الهيئات والوزارات وفي الشارع، ولا تناقش قضاياه وهمومه الحياتية، ولا تفرد صفحاتها لرصد السلبيات والإيجابيات في كل مكان، ولم تعد تسلط الضوء على القضايا الحقيقية للوطن ولا للمواطن، لتقوم الحكومة بدورها في حلها أو القضاء على الفساد في مكمنه، فلا حديث عن ارتفاع أسعار مسموح!

ولا ضوء أخضر يسمح بنشر مقال يطالب بكشف السر وراء إصرار الحكومة على قطع الأشجار في شوارع بلدنا، أو حجب البحر بسياج حديدى على كورنيش الإسكندرية!


ويقينا فإن القارئ معذور عندما يظن السوء بالصحافة ويتهمها بالتطبيل والتضليل، والقارئ معذورأيضًا عندما يرى أن جميع الصحف القومية لا فائدة منها ويطالب بغلقها نظرا لما يسمعه عن ديونها وخسائرها التى تجاوزت عشرات الملايين دون جدوى حقيقية لاستمرارها لأنها لا تقدم شيئا ذو قيمة!


وللقارئ أن يتخيل لو أن الصحفى في أيامنا هذه، قرر أن يخوض معركة حقيقية ليكتب تحقيقا صحفيا عن أسباب ارتفاع أسعار أسماك البلطى من 15 جنيها إلى 110 جنيهات أو ارتفاع سعر كيلو البطاطس طعام الفقراء من 5 جنيهات إلى 30 جنيها! أو اشتعال أسعار اللحوم والأجبان مثلا. ليجد نفسه متهما فى الصباح بنشر أخبار كاذبة على شاكلة كذبة إن (بطيخ مولانا أقرع)! مع العلم أنه فعلا بطيخ أقرع!


عزيزى القارئ..
اعذرنى وأعذر كتابا كثيرين مثلى من أبناء مهنة الصحافة، إذا أردنا أن نكتب فأجبرونا على الصمت والتوقف عن الكتابة لأننا لا نقبل إهانة أقلامنا أو تكميم ضمائرنا.. وكما قال أستاذ الصحافة جلال الحمامصى: قد لا تتمكن من كتابة ما تريد ولكن إياك أن تخدع نفسك وتقول إنهم أجبروك على أن تكتب ما يريدون.

ويبقى عزائى في النهاية أننى سأكتب يوما ما عن كل من منعنى من الكتابة.. وكل من قال لى: لا لا لا تكتبى!

الجريدة الرسمية