من دموع الثانوية.. إلى عمادة الكلية
يستعد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة هذا العام لكتابة رغباتهم للالتحاق بالكليات والجامعات الحكومية والخاصة والتكنولوجية والأهلية، بالاضافة إلى البرامج والكليات الذكية التي تم إنشاؤها خلال السنوات العشر الأخيرة؛ وكذلك إختيار البرامج التي تناسب ميولهم وقدراتهم، ويقوم مكتب التنسيق كآلية إلكترونية موضوعية بتوزيع الطلاب على الكليات وفق درجاتهم.
وفي هذا السياق أود عرض تجربتي ومسيرتي الأكاديمية والوظيفية بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة؛ ربما يستفيد منها الطلاب وأولياء الأمور ممن يبحثون عن الكليات الملقبة بالقمة.. فقد كان حلم حياتي أن ألتحق بكلية الهندسة جامعة عين شمس واجتهدت وحصلت على الدرجة النهائية في مادة الرياضيات ومجموع 81%؛ وكتبت في بطاقة الرغبات جميع كليات الهندسة.
وتم توزيعي وفق التنسيق على كلية الهندسة جامعة المنوفية وبكيت حزنا حين علمت أن الفارق عن هندسة عين شمس درجة ونصف؛ ورفض والدي رحمه الله السفر أو الإقامة لمدة خمس سنوات خارج القاهرة؛ (وفي هذا السياق تحقق الحلم والتحق نجلي الوحيد المهندس رامي بكلية الهندسة جامعة عين شمس وحصل منذ أربع سنوات على الدكتوراه في هندسة القوى الكهربائية).
وجاء التحاقي بكلية البنات جامعة عين شمس التي أصبحت اليوم كلية البنات للآداب والعلوم والتربية؛ رغم التحاقي بقسم الرياضيات بكلية البنات كنت حائرة مهمومة في شوارع الكلية وطرقاتها ومدرجاتها؛ حيث شعرت آنذاك أنها ليست جامعة وعقب دخولي مدرج 4 في الدور الأرضي بأحد مباني الكلية وجلوسي في الصف الأول شعرت بهدوء أثناء محاضرة التفاضل والتكامل؛ ومرت الأيام وتعرفت على زميلات وتفوقت في السنة الأولى بتقدير"جيد جدا".
رحلة تفوق
وبعد مرور ثلاث سنوات نسيت كلية الهندسة التي بكيت من أجل الالتحاق بها خاصة عندما يسأل المحاضر مين الأولى؟ من تستطيع حل المسألة الرياضية؟؛ أتقدم لأقف قريبا من المنصة في مواجهة جميع الطالبات في المدرج وأشرح طريقة حل المسألة..
وجاءت لحظة التخرج ورغم ظروف وفاة والدي آنذاك تفوقت بحمد الله وتظهر النتيجة ويأتي ترتيبي في المركز الأول من بين النجاحات في القطاع التربوي بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف الأولى؛ وتنشر صحيفة الجمهورية في صفحتها الأولى العشرة الأوائل ولأول مرة وجدت صورتي واسمي في الصحف مما ترك في نفسي أثرا عميقا، وشعورا بالاعتزاز؛ ناهيك عن فوزي بلقب الفتاة المثالية وتكريمي من الدكتور علي الحديدي رحمه الله ؛ وكانت هذة الفترة الزمنية البداية لحبي واعتزازي وانتمائي لهذه الكلية العريقة
وتم تكليفي معيدة داخل الكلية ثم أعددت الماجستير في عام واحد في طريقة جديدة لتدريس الهندسة لطلاب المرحلة الاعدادية؛ وأعددت الدكتوراه عن مسارات تفكير علماء الرياضيات وكيف ندرب الطلاب على إبداع العلماء ؛وتدرجت في السلم الوظيفي وقمت بإعداد بحوث في فترة زمنية قصيرة حتى حصلت على درجة الأستاذية عام 1998 (في سن صغير على مستوى الجامعات المصرية)؛ وخلال هذه المرحلة وقبلها تخرج على يدي أجيال من الطالبات من قسم الرياضيات التربوي.
وكنت حريصة في رحلتي الأكاديمية على قضية الإبداع في التعليم من خلال البحث عن المعرفة والجديد في مجال التخصص؛ وبالإصرار والحماس أعددت بحوث وأوراق عمل منشورة داخل مصر وخارجها في قضايا التعليم قبل الجامعي والجامعي والشأن العام..
وعقب زيارتي لكل من إنجلترا والإمارات والبحرين والسودان وتونس والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية والأردن أكتب تقريرا، يرفع للجامعة ويوضع في ملف خدمتي في شؤون هيئة التدريس ويعرض التقرير في جلسات علمية لكي يستفيد من الزيارة الأساتذة والباحثين
عمادة كلية بنات جامعة عين شمس
واستكمالا لمسيرتي العلمية تم تعييني رئيسا لقسم المناهج لدورتين متتاليتين وفي نفس الفترة الزمنية صدر قرار رئيس جامعة عين شمس بانتدابي مديرا لمركز الخدمة العامة بالجامعة لمدة ثلاث دورات متتالية؛ كنت أذهب إلى عملي في الكلية صباحا وأمارس عملي في مكتبي داخل الجامعة مساء، وفق منهج عمل يعتمد على ثقافة الإنتاج والبعد عن النميمة وثقافة الاستهلاك؛ وتم استحداث برامج جديدة وزيادة موارد المركز من خلال دخول عملة صعبة لجامعتى العريقة في تلك الفترة.
وجاءت محطة العمادة في الكلية التي التحقت بها دون رغبتي واليوم أفتخر بأنني تعلمت من جيل الرواد العلم والمعرفة؛وأشعر بسعادة عندما أتجول في حدائقها التي تحمل معي ذكريات وصور في مكتبتي الورقية؛ وتم اختياري عميدة للكلية وفق معيار الأقدمية والخبرات القيادية والإدارية؛ ولم يكن المنصب غايتي بقدر إستخدام المنصب في التطوير وحدوث نقلة نوعية في برامج الكلية وأنشطة الطالبات الثقافية والاجتماعية والرياضية وفق خطة ومنهج عمل ومتابعة آلية التنفيذ على أرض الواقع..
جائزة الدولة للتفوق
وأثناء العمادة تحقق إنجازا يتمثل في إنشاء قسم تكنولوجيا التعليم والمعلومات، ليضاف إلى أقسام الكلية العلمية والأدبية والتربوية، ويقبل طالبات من مكتب التنسيق؛ تلك هي السيرة والمسيرة واليوم أشعر بالفخر والاعتزاز لأني جلست على الكرسي الذي جلست عليه أول عميدة للكلية السيدة أسماء فهمي مؤسسة كلية البنات وأهم سيدات مصر الرائدات في التعليم المصري.
وأشعر بالتميز عندما شرفتني جامعتي العريقة جامعة عين شمس بجائزة الجامعة التقديرية في مجال العلوم التربوية؛ وبعدها بعامين يحدثني وزير الثقافة ويخطرني بالإعلان الرسمي وفوزي بجائزة الدولة للتفوق في مجال العلوم الاجتماعية وفق نظام التصويت الإلكتروني العادل..
وهكذا منحتني مصر أكثر مما أستحق؛ وبعد الحصول على الجائزتين انفتحت أمامي طاقات العشق للكتابة والمعرفة وأشعر اليوم أن بداخلي فكرا ووجدانا ورصيدا ثريا، وأجد نفسي مشدودة إلى كتابة وسرد تجربتي ومسيرتي العلمية للأجيال الحالية والقادمة بإذن الله.