رئيس التحرير
عصام كامل

أول شيوعي سلفى أعرفه

ليست هذه طرفة أقصها بل واقع غريب حيث الدنيا أكبر بكثير من خيالك وتصورك لطبيعة الأشياء والحدود الفاصلة بينها، والنفس البشرية أعمق بكثير من خنقها فى تقسيمات فئوية أو أيدولوجية!
بدأت القصة عندما كنت أعمل فى مخبز عودة بدمنهور في الفترة المسائية التى تبدأ في السابعة مساء وتنتهى فى تمام السابعة صباحا.

 

إثنتا عشرة ساعة طويلة وشاقة فى منتصف الثمانينات حيث الحر شديد والمخابز بدائية والعمل يتطلب حكايات من شتى الخلق، حتى نهون كدنا وشقانا الدائم من أجل جنيهات قليلة تغير أسرنا التى أفقرها انفتاح السادات وتخفيض قيمة العملة الذى وصل لما في عصر مبارك.

 

وفي تلك الليالى وبينما أنا أضع الخبز على شراع الجريد أجد أمامى رجل ملتحف بلدية طويلة كثة لكنها مهندمة وذو وجه مبتسم وسمت حسن متسامح، بادرنى الشيخ (محمد) بالتحية، وطلب مقطوعيته من الخبز الذى يشتريه بسعر أغلى من ثمنه قليلا ليبيعه مع الفلافل والطعام في الأسواق الشعبية والريفية الكثيرة المحيطة بدمنهور.. وإستمر الحال كذلك حتى غاب يوما عنا و جاء رفيق له ليطلب الخبز حتى خروج الشيخ محمد من السجن! 

 

كطفل لمض حينها أسرعت وقلت للسيد الكت، هكذا كان اسمه الشهير به، هذه نهاية طبيعية لكل واحد فى الجماعات الإسلامية استنادا منى لمظهر الرجل بلحيته وعلامة الصلاة، لكنه صدقنى وقال لى بل لأنه شيوعي. 

قلت له شيوعي؟! كيف ذلك؟! ثم تظاهرت بالثقافة أمامه وأنا على أعتاب الإعدادية وقلت له بل تقصد شيعى، فقال لى ما معنى شيعى فشعرت بالزهو والانتصار الساحق وشرحت له معنى شيعى وتفلسفت على الفران ومساعده المرمطون رغم أنهما كانا أضعاف عمرى، لكنه كان زهو العيال وتطلعهم لإثبات الذات.


ورغم ذلك كنت أنا المخطأ، فلقد كان الشيخ محمد شيوعيا حقيقيا وسلفيا في آن واحد، مزيج غريب ومدهش فبعد أيام قليلة تم الإفراج عنه ورأيته يسير فى موكب لحزب التجمع التقدمى الوحدوى في دمنهور حاملا شعارات اليسار ولحيته تهتز مع حماسه وصدقه الذى تملك كل جسده.

 

وتمر ست سنوات بعدها ويستطع الشيخ الرفيق محمد الحصول على مطعم يريحه من اللف المضنى على الأسواق، ويستأجر المحل ولا ينس فكره الذى أخلص له، فهو لا يحب الحرام فتزوج من فتاة جميلة رقيقة الحال كانت تعمل معه للإنفاق على أهلها، واستمر فى مسيرات حزب التجمع.. 

ولا أنسى مطلقا اللافتة التى كان يحملها حينها وراء مرشح حزب التجمع حينها الدكتور زهدى الشامى وكانت بعنوان مشروع الأمل.. رحم الله كل مخلص لفكره حتى وإن بدى متناقضا وحتى وإن اختلفت معه.
Fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية