رئيس التحرير
عصام كامل

«الحوار الوطني» فتح الملف الشائك.. والرئاسة تنتظر التوصيات.. ألغام الحبس الاحتياطى.. ورقة بحثية تحدد البدائل والمطالب العادلة للمصريين

الحوار الوطني
الحوار الوطني

بعد مناقشات استمرت لأكثر من 12 ساعة، انتهى مجلس أمناء الحوار الوطنى، الأسبوع الماضى، من الاستماع لمطالب القوى السياسية ولفيف من الحقوقيين فى تعديلات قانون الحبس الاحتياطى بعد الانتقادات التى طالت التوسع فى الحبس الاحتياطى وتحويله من إجراء احترازى إلى عقوبة قاسية يدفع ثمنها المتهم الذى تقول القاعدة القانونية الشهيرة إنه «بريء حتى تثبت إدانته».

كل المؤشرات داخل جلسات الحوار الوطنى تقول إننا على بعد خطوات من إجراء تعديلات جوهرية على قانون الحبس الاحتياطى، من المتوقع أن تشمل مدته وبدائله وموقف المحبوس احتياطيًا عند تعدد الجرائم وتعاصرها وتزامنها، والتعويض الأدبى والمادى عن الحبس الاحتياطى الخاطئ، وأخيرا؛ التدابير المصاحبة للحبس الاحتياطى من منع سفر ونحوه.

ووفقًا لما جرى من مناقشات ساخنة هناك توافق لدى الأطراف المشاركة على تخفيض مدة الحبس الاحتياطى، وبحث التدابير الأخرى اللازمة من منع سفر ونحوه والبدائل المطروحة، ومن بينها ما يتعلق باستخدام نظام المراقبة والتتبع.. وتعكف حاليا لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة التابعة للمحور السياسى فى الحوار الوطنى على دراسة وتدقيق الاقتراحات المطروحة تمهيدا لرفعها لرئيس الجمهورية.

وفى السطور التالية نتعرف على تاريخ الحبس الاحتياطى فى مصر وكيف ترى منظمات حقوق الإنسان ما وصل إليه القانون والبدائل المطروحة لها.. وهل الدولة جادة بالفعل فى القضاء على أزمات الحبس الاحتياطى.. وكيف يمكن تعويض المحبوس احتياطيا حال براءته.

 

انفردت فيتو بالورقة البحثية التى تقدم بها المجلس القومى لحقوق الإنسان، للأمانة العامة للحوار الوطنى، لعرض رؤيته عن ملف الحبس الاحتياطى وطرح مجموعة من البدائل، باعتباره من أهم إجراءات التحقيق التى تسلب الحرية خلال فترة الاحتجاز والذى تلجأ إليه الدول لتحقيق العدالة ومنع وجود أى تأثير على الدعوى الجنائية.

وأكدت الورقة أنه نظرًا للمشكلات العديدة التى ترتبت على الحبس الاحتياطى الذى يسلب الفرد حريته قبل أن يثبت ارتكابه للجريمة، أى فى الوقت الذى لم يحكم عليه، والذى يقوم على قرينة البراءة كأصل عام إلى أن يصدر الحكم بالإدانة، لافتة إلى أن انتقادات عدة وجّهت للحبس الاحتياطى، الأمر الذى دفع بعض الدول للتخلى عنه، أو تحديده بمدة قصيرة لا يجوز تجديدها.

وقالت: “إن غاية المؤسسة العقابية بكل فاعلياتها وبرامجها هى تأهيل نزلائها للرجوع إلى المجتمع ضمن القواعد الاجتماعية السارية، فإذا أمكن تحقيق هذه الغاية بالنسبة إلى بعض طوائف المتهمين بطرق أخرى خارج أسوار هذه المؤسسة، فلا شك أن ذلك أجدى وأفضل من سلب حريتهم وعزلهم عن المجتمع”.

وأضافت تشريعية قومى حقوق الإنسان أن السياسة العقابية المعاصرة تنشد إصلاح الجانى وتأهيله، ولكن يبدو أن هذا المطلب عزيز المنال فى ظل العقوبات السالبة للحرية التى لا يثور أدنى شك حول آثارها الضارة، والتى كان لا يتصور الاستغناء عنها، إذ ما زالت الأكثر شيوعا بين الجزاءات الأخرى، إلا أنه يتعين عدم اللجوء إليها إلا حيث تقتضى الضرورة ذلك.

أما سلب الحرية قصير المدة فقد ظهر إلى الحد الذى قيل بإبعاده، وإيجاد منظومة من البدائل العقابية تحل محله، وتقيد الحرية دون سلبها، وبما يتناسب مع طوائف معينة من المجرمين، ممن يرجى صلاحهم وعدم عودتهم إلى الجريمة بسبب تدنى درجات خطورتهم الإجرامية.

وأكدت اللجنة فى ورقتها البحثية، أن معظم النظم العقابية الحديثة، وإن لم تتجه إلى استبعاده بالكلية، إلا أنها اتجهت صوب بدائل عديدة، من أهمها، نظام الرقابة الإلكترونية الذى يمثل أحدث ما توصلت إليه السياسة العقابية فى سعيها نحو الطابع الإنسانى فى ميدان العقاب.

وأشارت إلى نظام الرقابة الإلكترونية، كبديل للحبس الاحتياطى والذى تعدد تسمياته فى تشريعات مختلفة فمنها “الرقابة الإلكترونية فى المنزل”، “الإقامة فى المنزل تحت المراقبة الإلكترونية”، “الحبس المنزلي”، الإسورة الإلكترونية”.

ويسمح هذا النظام للمحتجزين بالبقاء فى منازلهم، بشرط تحديد تحركاتهم ومراقبتهم بوساطة سوار إلكترونى يثبت فى معصم يدهم أو حول ساقهم، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول من طبقت هذا النظام، تلتها كندا وإنجلترا، والسويد، وإسبانيا وعدد من الدول العربية كالجزائر، والإمارات، والأردن.

وأوضحت الورقة البحثية، آليات تطبيق الرقابة الإلكترونية، والتى اتخذت ٣ صور فى التشريعات العقابية المعاصرة، أولها الإسورة الإلكترونية، وهى عبارة عن جهاز إلكترونى صغير الحجم نسبيا مزود ببطارية كهربائية لضمان استمرار عمله، يثبت حول معصم يد الخاضع للرقابة، أو حول مفصل قدمه فى أغلب الأحيان لضمان عدم محاولة انتزاعه أو العبث به أو إلحاق الضرر به نتيجة حركة جسم الخاضع للرقابة الإلكترونية.

ويعمل الجهاز المستقل بعد التقاطه الإشارات الأوتوماتيكية على إرسالها إلى نظام معلوماتى فنى، موجود لدى الجهة التى تتولى مهمة الرقابة، تفيد بأن الخاضع للرقابة فى إطار النطاق الجغرافى المحدد له، وإذا تجاوز هذا النطاق فإن الجهاز يصدر إشارات تحذيرية للكمبيوتر الموجود فى جهة الرقابة تدل على أن الخاضع للرقابة قد خالف قواعدها.

وتعد الإسورة الإلكترونية أكثر صور الرقابة تطبيقًا فى التشريعات المعاصرة ومنها العربية التى أخذت بنظام المراقبة الإلكترونية لقلة تكلفته المادية، لفعاليته العالية فى تحقيق الهدف المنشود.

وتتناول الورقة صورة أخرى متطورة للرقابة ومنها بصمة الصوت، وتقتضى هذه الصورة تسجيل نموذج الصوت الخاضع للرقابة يخزن فى ملف إلكترونى، ومن ثم يقارن بصوته فى محل إقامته، وتقوم أنظمة الرقابة بالتوثيق المستمر لحضور أو غياب الخاضع للرقابة من خلال اتصاله هاتفيًا على فترات زمنية متتابعة بمركز المراقبة الذى يقارن صوته مع النموذج الصوتى من خلال الكمبيوتر المركزى، بالإضافة إلى مراقبته لرقم التليفون المستخدم بالاتصال وإذا وجد عدم التطابق سواء فى بصمة الصوت أو برقم الهاتف تُعلم إدارة الرقابة المركزية بمخالفة الخاضع للرقابة.

وعن الصورة الثالثة من طرق الرقابة الإلكترونية، أشارت الورقة البحثية إلى الرقابة باستخدام الأقمار الصناعية، والتى ترسل على الجهاز الذى يثبت على معصم يد الخاضع للرقابة أو مفصل قدمه موجات تُلتقط من قبل الأقمار الصناعية، ومن ثم يعاد بثها لجهاز الكمبيوتر المركزى فى مركز الرقابة لتحديد الرقعة الجغرافية التى يتواجد فيها الخاضع للرقابة.

وإذا كانت هذه الصورة تعد فعالة فى الرقابة، إلا أنها يؤخذ عليها أنها باهظة التكاليف، بالإضافة إلى وجود بعض المعوقات التى تحد من الرقابة كوجود المبانى المرتفعة، والتى تعرقل وصول موجات الجهاز الإلكترونى إلى الأقمار الصناعية، وهذه الطريقة مطبقة فى بعض الولايات المتحدة الأمريكية وإسكتلندا.

وأشارت تشريعية قومى حقوق الإنسان، إلى الشروط التى يجب توافرها فى تطبيق نظام الرقابة الإلكترونية، منها ما يتعلق بالعقوبة الموقعة على الشخص، ومنها ما يتعلق بالشخص الموقع عليه العقوبة، مؤكدة أن المراقبة الإلكترونية، تقتصر على الحبس الاحتياطى وعلى العقوبات السالبة للحرية فقط، ومن ثم تستبعد من تطبيقها العقوبات الأخرى كالغرامة والمصادرة والعمل فى إطار المنفعة العامة.

وأن تكون مدة العقوبة السالبة للحرية قصيرة نسبيًا لا تتجاوز ثلاث سنوات كحد أقصى وفقًا لما ذهبت إليه بعض التشريعات. ذكرت أيضًا شروطًا يجب توافرها فى الشخص الخاضع للمراقبة الإلكترونية يجب أن يتوافر فى الشخص الخاضع للمراقبة الإلكترونية منها: أن يكون له محل إقامة محدد سواء منفردًا أو مع الغير.

ويمكن مباشرة المراقبة الإلكترونية فى الملاجئ أو دور الأيتام أو المسنين وغيرها من الأماكن العامة، وأن يتوافر له خط تليفون أرضى فى محل الإقامة.

ومن ضمن شروط تطبيق نظام المراقبة الإلكترونية أيضًا، موافقة مالك العقار أو المؤجر على إجراءات الرقابة فى حالة ما إذا كان الخاضع للرقابة لا يقيم فى سكنه الخاص، وكذلك ملاءمة الحالة الصحية للشخص الموضوع تحت المراقبة لوضع الإسورة الإلكترونية على جسمه.

وجددت رؤية قومى حقوق الإنسان فى الورقة البحثية، التزامات الشخص الخاضع للرقابة الإلكترونية، ومنها عدم مغادرة محل الإقامة، وتقييده بوضع الإسورة الإلكترونية دون المساس بحياته الأسرية أو الوظيفية، والمحافظة على أجهزة الرقابة من العبث بها أو إتلافها، وكذلك الخضوع للمتابعة الاجتماعية من قبل الإدارة المختصة.

وإذا خالف الخاضع للرقابة أحد هذه الشروط المنصوص عليها قانونًا يمكن للقضاء إعادة الخاضع للرقابة إلى الحبس مرة أخرى مع احتساب فترة الرقابة من مدة العقوبة المحكوم بها.

وأوضحت اللجنة مزايا الرقابة الإلكترونية وأهمها الحد من تكدس النزلاء بالمؤسسات العقابية، وتخفيض النفقات المالية، ومكافحة الرجوع إلى الجريمة، والحد من الآثار النفسية لسلب الحرية بالنسبة للخاضع للرقابة، وتدعيم صلة الخاضع للرقابة بالمجتمع، وكذلك المحافظة على صلة الخاضع للرقابة بأسرته وأصدقائه.

واختتم المجلس: “من كل ما تقدم نرى أن المشرع المصرى تأخر كثيرًا على غير عادته فى مسايرة التطور الذى طرأ على النظام العقابى الموجود فى أغلب دول العالم، ولاسيما الأخذ بنظام المراقبة الإلكترونية، لذا نرى، ضرورة إعادة المشرع -عاجلا- والنظر فى قانون العقوبات والأخذ بالمراقبة الإلكترونية كبديل لعقوبة سلب الحرية التى تقل مدتها عن سنتين مع إسناد مهمة وضع الشخص تحت المراقبة الإلكترونية للقضاء.

الجريدة الرسمية