رئيس التحرير
عصام كامل

أين سيذهب الإسرائيليون؟!

جاء قرار محكمة العدل الدولية هذا الأسبوع بشأن سياسة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة بأنها تنتهك القانون الدولي، وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها محكمة العدل الدولية موقفًا بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ إعلان دولة الكيان الصهيوني وحتى اليوم..


وعلى الرغم من أن هذا الرأي استشاري ولن يعتد به العدو الصهيوني وسوف يستمر في ممارساته الاحتلالية والاستيطانية وحرب الإبادة للشعب العربي الفلسطيني إلا أنه سوف يلعب دورًا مؤثرًا في تغيير الصورة الذهنية لدى العقل الجمعي العالمي الذي رسخت الآلة الإعلامية الغربية الصهيونية بداخله أن الممارسات الصهيونية المجرمة تتم دفاعًا عن النفس، نتيجة التهديدات التي يتعرض لها المستوطنين الصهاينة من أبناء الشعب العربي الفلسطيني الذي يحمل السلاح ضد السلطة الصهيونية الشرعية.. 

 

وبالطبع هذه صورة كاذبة ومفبركة وزائفة، ويأتي رأي المحكمة التاريخي ليمحو تمامًا هذه الصورة في العقل الجمعي العالمي، وليضع صورة جديدة بديلة تؤكد أن العدو الصهيوني محتل ومغتصب للأرض العربية الفلسطينية، لذلك فما تقوم به المقاومة الفلسطينية من أعمال مسلحة تدخل في نطاق مقاومة المحتل وحرب التحرير، وهي ممارسات مشروعة ويقر بها القانون الدولي.

قرار محكمة العدل الدولية

وقام رئيس محكمة العدل الدولية اللبناني الأصل نواف سلام بقراءة الرأي الكامل للجنة المكونة من ١٥ قاضيًا من مختلف أنحاء العالم أمام وسائل الإعلام العالمية، حيث أكد أن المحكمة ترى “أن الوجود الإسرائيلي المستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني ويجب أن ينتهي بأسرع ما يمكن، ويتعين على إسرائيل تقديم تعويضات عن الأضرار التي سببها احتلالها للأراضي الفلسطينية، ويجب الوقف الفوري لكل الأنشطة الاستيطانية الإضافية وإجلاء جميع المستوطنين”.. 

 

وأشار كذلك إلى أن "نقل المستوطنين إلى الضفة الغربية والقدس، فضلًا عن احتفاظ إسرائيل بوجودها، يتعارض مع المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة"، كما أدانت المحكمة "سياسة الاستيطان الإسرائيلية الآخذة  في التوسع"، ووجدت المحكمة أن “استخدم إسرائيل للموارد الطبيعية يتعارض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي كقوة احتلال”..

 

وكانت المحكمة قد نظرت هذه القضية منذ بداية العام الحالي بناءً على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبل انطلاق جلسات الاستماع في فبراير الماضي، أصدر العدو الصهيوني بيانًا قال فيه أنه لا يعترف “بشرعية هذه الجلسات، وبأن الفلسطينيين يحاولون إملاء نتائج التسوية السياسية للنزاع، دون مفاوضات”.. 

ردود الأفعال حول قرار المحكمة

ورفض العدو الصهيوني حضور الجلسات، واكتفى بمرافعة مكتوبة، وأدلت 52 دولة برأيها في القضية، وجاء رأي الأغلبية بأن الاحتلال مخالف للقانون الدولي ويجب على المحكمة اعتباره كذلك، ودعا العدو الأمريكي الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني المحكمة إلى "توخي الحذر وإبداء رأي متوازن"..

وتجنب إصدار رأي يدعو إلى انسحاب فوري وغير مشروط لإسرائيل، لا يأخذ بعين الاعتبار حاجاتها الأمنية المشروعة، وفي المقابل جاء رأي فلسطين أمام المحكمة مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال الاستيطاني والفصل العنصري، وأن الاحتلال الإسرائيلي الطويل والمتواصل لفلسطين يهدف إلى إلغاء فلسطين من الوجود، وإلى تدمير الفلسطينيين تدميرًا شاملًا.


وجاءت ردود الأفعال حول رأي المحكمة مزلزلة داخل الكيان الصهيوني وهو ما يؤكد على هشاشة وضعف الكيان المنهار من الداخل حيث قال رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أن الشعب اليهودي ليس محتلًا لأرضه، لا في عاصمتنا الأبدية القدس، ولا في أرض أجدادنا في يهودا والسامرة ( الضفة الغربية)، ولن يؤدي أي قرار كاذب في لاهاي إلى تشويه هذه الحقيقة التاريخية، كما لا يمكن الطعن في شرعية الاستيطان الإسرائيلي في كافة أراضي وطننا.. 

 

وقال وزير الأمن الصهيوني إيتمار بن غفير أن قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي يثبت للمرة الألف أن هذه منظمة سياسية ومعادية للسامية بشكل واضح، ولن نقبل منهم وعظًا أخلاقيًا، فقد حان وقت الحكم والسيادة.. 

 

وقال سفير العدو الصهيوني لدى الأمم المتحدة داني دانون أن قرار محكمة العدل الدولية يحاول حرماننا من حقنا في أراضي أجدادنا في أرض إسرائيل، لكننا لن نتخلى أبدًا عن أرضنا وهذا هو أساس وجودنا هنا.. 

 

ولم يختلف رأي المعارضة الصهيونية عن هذه الآراء حيث قال رئيس المعارضة يائير لبيد أن الرأي الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي منفصل عن الواقع، وأحادي الجانب، ومشوب بمعادة السامية وعدم فهم الواقع على الأرض، إنه لا يخدم إلا الإرهاب الإسلامي والحملة ضد إسرائيل، وهذا القرار يشكل فشلًا سياسيًا آخر لحكومة مختلة وظيفيًا، وستحشد المعارضة لمنع قبول هذا الرأي من قبل مؤسسات الأمم المتحدة والدول الأعضاء.

شرعية المقاومة الفلسطينية

وتظهر ردود الفعل الصهيونية حقيقة ما نؤكده دائمًا بأن العقلية الصهيونية المجرمة لا يمكن أن تقبل الاعتراف بالحق الفلسطيني، فالمشروع الصهيوني قديمًا وحديثًا بل ومستقبلًا قائم على فكرة وهمية ومقولة ملصقة بالكتاب المقدس زورًا وبهتانًا تقول “دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات”.. 

 

لذلك واهم كل من يعتقد أن العدو الصهيوني يمكن أن يفرط طواعية في شبر واحد من الأراضي العربية المحتلة، وواهم أيضًا من يعتقد أن هذه الأوهام الصهيونية سوف تتوقف على أرض فلسطين فكل ردود الأفعال الصهيونية على قرار محكمة العدل الدولية يؤكد أنهم ماضون في إجرامهم لتحقيق مشروعهم المزعوم باحتلال الأرض الواقعة بين النيل والفرات حتى لو كان الثمن إبادة كل البشر المقيمين فوق هذه الأرض.. 

 

لذلك علينا استغلال قرار المحكمة الذي يؤكد على شرعية المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة، فعلى كل العرب والمسلمين، وكذلك كل أحرار العالم دعم المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح لتكتمل معركة التحرير.. 

 

 

فالعدو الصهيوني لا يمكن أن ينسحب طواعية، فكل حالات الاحتلال تاريخيًا لم تنته إلا بالكفاح المسلح، ولم يكن يومًا أصحاب الأرض أقوى من المحتل وإلا ما احتل أرضهم، لكن بالإيمان والتمسك بالحق والمقاومة تتحرر الأوطان، أما الخونة والعملاء والمطبعين الذين يرددون عبارة أين سيذهب الإسرائيليون، نقول لهم يعودون من حيث جاءوا، وقد فعلها كثيرًا منهم خلال السنوات الماضية عندما اكتشفوا الخديعة والوهم الذي روجه قادة المشروع الصهيوني قديمًا وحديثًا، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية