رئيس التحرير
عصام كامل

مستقبل الصراع العربي الصهيوني!

ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن مستقبل الصراع العربي الصهيوني، وحتمًا لن تكون الأخيرة، فخلال هذا الأسبوع كنت ضيفًا على قناة المنار، بصحبة الإعلامي المقاوم عمرو ناصف، وكانت الحلقة بعنوان: زوال الكيان العنصري الصهيوني بين الحقيقة والخيال، وطرح المذيع سؤالًا استنكاريًا في بداية الحلقة يقول: إسرائيل إلى زوال حقيقة أم درب من خيال؟!

 

حاولت من خلال الحلقة ومعي الأستاذ تحسين الحلبي المفكر الفلسطيني الإجابة على السؤال، وأحاول هنا مجددًا التأصيل لحقيقة الصراع العربي الصهيوني، من أجل تشكيل وعي حقيقي داخل بنية العقل الجمعي العربي، حتى يمكننا استشراف مستقبل هذا الصراع..

 

ففي الوقت الذي نؤكد فيه على أن هذا الصراع هو صراع وجود، هناك تيار داخل النخبة العربية يسعى لتكريس فرضية وهمية تقول أن صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع حدود، بمعنى أنه يمكننا التعايش مع هذا العدو بعد توقيع اتفاقيات سلام مزعومة، على أن يسمح هذا العدو لهم بتأسيس دولة فلسطينية على جزء من الأرض العربية الفلسطينية المحتلة، وهو ما تبلور بفكرة حل الدولتين على حدود 4 يونيو 1967..

 

وحاول أنصار هذا التيار التطبيعي تزييف وعي العقل الجمعي العربي على مدار النصف قرن الماضي مما خلق بعض الأتباع الذين يعتقدون بإمكانية السلام والتعايش مع العدو الصهيوني، ويحاولون إقناع الأجيال الجديدة بأفكارهم الانهزامية التي لا أساس لها على أرض الواقع.. 

مؤامرة وعد بلفور


في الوقت الذي يروجون فيه لنظرية الواقعية السياسية التي تؤكد من وجهة نظرهم أن العدو الصهيوني يمتلك قدرات عسكرية متطورة وهائلة، ويلقى دعمًا غربيًا ودوليًا منقطع النظير، لذلك لا يمكننا مواجهته وعلينا أن نستسلم للأمر الواقع وننفذ رغبات هذا العدو الصهيوني المغتصب والمحتل لأرضنا العربية.

وفي محاولة تفنيد ادعاءات أنصار هذا التيار الانهزامي فعلينا أن نذكر العقل الجمعي العربي الذي يتعرض لعملية تزييف كبرى بحقيقة وجوهر الصراع، وهنا لابد من العودة للبداية ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان اليهود الصهاينة يعيشون في الشتات حول العالم، ولم يكن لهم وطن قومي يجمعهم..

 

وعندما فكر قادتهم الأوائل في البحث عن وطن لهم ليجمع شتاتهم من حول العالم، لم يجدوا أمامهم غير بريطانيا الاستعمارية التي كانت تفرض سيطرتها وهيمنتها بالقوة على أجزاء كبيرة من وطننا العربي، واستقر رأي المتآمرين على اغتصاب الأرض العربية الفلسطينية، وتم الإعلان عن المؤامرة عبر ما عرف بوعد بلفور ومنذ ذلك التاريخ والشعب العربي الفلسطيني يقاوم ويحارب من أجل استرداد أرضه.

 

أرض الميعاد المزعومة

ولتأكيد هشاشة وضعف ادعاءات أنصار تيار التطبيع والسلام المزعوم، يجب التعرف على مخططات العدو الصهيوني الاستراتيجية التي لم ولن يحيد عنها منذ ولادة فكرته الشيطانية، إن العدو الصهيوني عندما وقع اختيار قادته الأوائل على أرض فلسطين لتكون وطنهم المزعوم وسعى قادة العدو الصهيوني لاغتصابه، من خلال العبارة التوراتية المزعومة المنقوشة فوق باب الكنيست الإسرائيلي والتي تقول “لما تجلى الرب على إبراهام  منحه الأرض المقدسة من النيل إلى الفرات”..

 

ويشار إلى إسرائيل الكبرى المزعومة كما يؤمن أنصار العقيدة الصهيونية بأنها أرض الميعاد التي وعد بها الرب في سفر التكوين، وهذا ما أكده تيودور هيرتزل مؤسس الصهيونية العالمية عام 1904 حين أعلن صراحة أن حدود دولة إسرائيل تمتد من" نهر مصر إلى الفرات"..

 

وجاء بن جوريون لينفذ المخطط الصهيوني كما أسلفنا حيث أكد على أنهم سوف يسعون لتحرير وطنهم المزعوم بأكمله، وهو بذلك يعتبر سكان هذا الوطن الكبير محتلين ويسعى جيش الكيان الصهيوني لمحاربة الاحتلال حتى التحرير، لذلك ما تقوم به عصابات العدو الصهيوني الآن في غزة من حرب إبادة للشعب العربي الفلسطيني هي جولة من جولات التحرير المزعومة والمدعومة عقائديًا.

 

ووفقًا لهذه العقيدة المزعومة فالعدو الصهيوني يعتبر صراعنا معه صراع وجود وليس حدود، لذلك سوف يفعل ما يفعله بسكان غزة بسكان كل المناطق والدول الواقعة بين النيل والفرات وذلك لإيمانه بأن هذه هي إسرائيل الكبرى الأرض التي وعد بها الرب في كتابه المقدس، لذلك فقادة العدو الصهيوني يوهمون المستوطنين الصهاينة الذين جلبوهم من كل أصقاع الأرض أنهم يخوضون حرب مقدسة لتحرير الأرض المحتلة من قبل العرب وهي أرض الميعاد..

المقاومة هي الحل

وقد أكد بن جوريون أثناء الاجتماع التنفيذي للوكالة اليهودية في يونيو 1938 أنهم سيحاولون بكل الطرق تحرير إسرائيل الكبرى حيث قال “سنحطم هذه الحدود التي تفرض علينا، وليس بالضرورة عن طريق الحرب، أعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق بيننا وبين الدول العربية في مستقبل غير بعيد”..

ومن هنا يتضح أن تأسيس تيار التطبيع ومهادنة العدو داخل المجتمع العربي قد جاء كجزء من المخطط الصهيوني الشيطاني، فاتفاقيات السلام العربية المزعومة بداية من كامب ديفيد، مرورًا بأوسلو، ثم وادي عربة، وانتهاءً بالهرولة الخليجية، والمغربية والسودانية، قد خطط لها قادة العدو الصهيوني منذ زمن بعيد ومن لم يسلم طواعية فحرب الإبادة هي البديل..

 

لذلك يجب أن يعي العقل الجمعي العربي أن صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود وليس حدود، فكل من يعتقد أن العدو الصهيوني يمكننا التعايش السلمي معه في مكان وجوار واحد فهو واهم، هذه الأرض الواقعة بين النيل والفرات وفقًا لعقيدتهم المزعومة لا يمكن إلا أن تكون لهم أو لنا لذلك فوجودنا أمام وجودهم..

 

 

وبالتالي فمستقبل الصراع العربي الصهيوني لن يحل إلا بالمقاومة، لأنها الشرط الحاكم في زوال الكيان الصهيوني، كما يؤمن كل عربي حر، وهو ما يؤكد سلامة موقف الزعيم جمال عبد الناصر حين قال في مؤتمر الخرطوم: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف"، وحين رفع شعار: "ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة"، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية