حديث قلب
الدكتور مختار جمعة.. والوجه الآخر لـ المشايخ!
في مقتبل حياتي المهنية توليت رئاسة قسم الشئون الإسلامية في مجلة آخر ساعة، قبل تولي رئاسة قسم التحقيقات الصحفية، فمساعد مدير تحرير، فنائب رئيس تحرير، فمدير التحرير.. وعلى ضوء ذلك فقد أجريت حوارات وتحقيقات صحفية مطولة مع رموز المؤسسة الدينية في مصر، بما فيهم وزراء الأوقاف..
ابتداء من أصحاب الفضيلة.. عبد المنعم النمر، ابراهيم الدسوقي، زكريا البري، جاد الحق علي جاد الحق (بعد توليه دار الإفتاء وقبل أن يصبح شيخا للأزهر)، الأحمدي أبو النور، محمد علي محجوب، عبد الفضيل القوصي، عبدالله الحسيني، جمال عفيفي، ومحمود حمدي زقزوق.
وكان آخرهم الدكتور محمد مختار جمعة الذي طاله التغيير الوزاري مؤخرا، وكان أقدم وزراء الحكومة منذ تعيينه في 16 يوليو 2013 ضمن وزارة الدكتور حازم الببلاوي..
بحكم تعاملي مع فضيلته سنوات عديدة أستطيع أن أحدد ملامح شخصيته، وأدائه المهني، بحيادية وهو شخصية شديدة الذكاء والدهاء، بالغ التهذيب، لا يمتلك فضيلة خدمة البشر (كما في المحجوب وزقزوق والاحمدي والنمر وجادالحق)، وعندما كان يطلب مني زملائي التوسط لديه في خدمة أجيبهم: هو لا يخدم أحدا!
وهو عالم موسوعي، ومفكر إسلامي له كتب ومؤلفات عديدة، كان الأول علي دفعته في الكلية، وأستاذ جامعي نابه، تولي مناصب علمية عديدة قبل أن يصبح وزيرا، كعميد منتخب لكلية الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة الازهر، ورئيس المكتب الفني لشيخ الازهر، وله العديد من الاسهامات العلمية والشرعية والادبية..
ووضع الكثير من مناهج اللغة العربية وأدابها لكليات مختلفة في دول الخليج، وعلي ضوء ذلك فهو ثري بحكم عوائد علمه وعصاميته وعرقه، ويسكن علي نيل المنيل..
عرف بحزمه الشديد، وانضباطه الكامل في العمل، وكانت ضربته القاضية في الأيام الأولي لتوليه المنصب مطاردته للمنحرفين واللصوص لصناديق النذور بالجوامع الكبري التي تحتضن أضرحة، فكانت عوائد هذه المغارات وهي بالملايين، يتم توزيع جزء كبير منها علي القائمين عليها، ويشوبها الغموض، إذ ما يسجل بالدفاتر الرسمية أقل بكثير من الأرقام الفعلية..
فأرسي الدكتور مختار جمعة مبدأ الشفافية لضبط لصوص النذور، وأمر بتشكيل لجان علي أعلي مستوي من النزاهة ويشارك فيها مندوبين من جهات رقابية، ويتم تسجيل تفاصيل الوقائع بالفيديو، إبتداءا من فتح الصناديق وعدها وحصرها ورصدها، ثم يشاهد الوزير بنفسه تفاصيل الفيديو بالتفاصيل كاملة، وبذلك قطع الطريق علي المشايخ اللصوص..
وكانت نتيجة هذه الخطة المحكمة أن زادت حصيلة النذور، وبالتالي فمن الطبيعي والمنطقي أن يهاجم هؤلاء المتضررين وأمثالهم الوزير الآن بعد ترك منصبه، وبشكل كله شماتة وقلة ادب علي وسائل التواصل الاجتماعي!
أمر باغلاق المساجد عقب كل صلاة، وهاجموا الوزير بأنه يغلق بيوت الله، لكن مغزي قراره ألا يتجمع المتسكعين والعاطلين ومن لديهم فراغ لافتراش الجوامع والنوم فيها، وينعمون بالكهرباء والتكييف المجاني وتتحملها وزارة الاوقاف.. ماذا في هذا؟!
منجزاته كثيرة جدا وصعب حصرها، لكن المتضررين منها هاجموه، خذ علي سبيل المثال لا الحصر: شدد الوزير علي مفتشي الوزارة بتكثيف حملاتهم علي جميع المساجد لضبط الأئمة والخطباء (المزوغون) والمتغيبين عن أماكنهم، وكان الوزير يوقع علي المخالفين منهم جزاءات غليظة، ومن الطبيعي جدا أن يشمت هذا الفصيل في الوزير بعد تركه المنصب!
وبعض أئمة المساجد التي تحتضن اضرحة لأل البيت الكرام يستقبلون ليلا بعد إغلاق المساجد، وفي غير أوقات العمل الرسمية، الشخصيات الثرية والصوفيين المحبين لأل البيت من مصر والخليج، وينزلون لمثوي ومراقد هؤلاء الاولياء للتبرك، وبالتالي يتولي هؤلاء الفريق المنتفعين المقابل بالدولار والمصري، وكان الوزير النظيف مختار جمعة يوقع عليهم أشد أنواع التنكيل والجزاء، أليس من الطبيعي أن يهاجموه الآن بهذه الصورة؟
بصراحة كان الدكتور مختار جمعة يتصدي لهذه العينة بكل حزم وقوة، ويضرب بيد من حديد علي المنحرفين، وإذا ضرب أوجع، وبالتالي إلتقت مصالح المنتفعين علي التشفي والإنتقام بصورة منظمة، ولا يلتزمون بأداب النقد، وأسوا أنواع البشر إذا إختلف معك أنكر فضلك وتصيد اخطائك وأفشي سرك..
صحيح إن الأدب يستر قليل العلم، لكن العلم لا يستر قليل الأدب، وعلم الأخلاق ليس مقصورا علي دراسته في الجامعات، فقد يتحلي به إنسان أمي، ويفتقده عالم دين درس العلوم الدينية، وإرتدي الأزياء الازهرية!