قدر الله ما شاء فعل.. ولكن!
بداية دعونا نتفق على إنه لولا الارتفاع الكبير في درجة حرارة الطقس يوم وقفة عرفات وفى أيام التشريق ما كانت قد ظهرت أو تفاقمت أزمة الحجاج المصريين، الذين أسمتهم الدولة المصرية والدولة السعودية على حد سواء، باتفاق أو بدون، بالمخالفين ولولا هذا الطقس شديد السوء، ما كانت حالات الوفاة تزايدت بينهم جراء المعاناة الشديدة التي واجهتهم خلال محاولات الهروب من لجان التفتيش السعودية، أو عند أداء المناسك.
ففي كل عام وقبيل وقفة عرفات بساعات قليلة تتجاوز السلطات السعودية عن كافة الضوابط التي تحول دون دخول غير حاملي التصاريح الرسمية رحاب مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، ومن ثم زيارة والتنقل بين مناطق المشاعر المقدسة للطواف بالمسجد الحرام والوقوف بعرفات والمرور بمزدلفة والإقامة بمني.
وللحقيقة والإنصاف فإن الدولة السعودية وكافة أجهزتها المعنية والمرتبطة بشئون تنظيم الحج وعاما بعد عام باتت المملكة وأجهزتها أكثر احترافية في تقديم مختلف الخدمات التي يحتاجها الحجيج، بدء من دخول حدود المملكة عبر أي منفذ بري أو بحري أو جوي وخلال تنقلهم لأداء المناسك وحتى مغادرتهم عائدين الى بلادهم.
أكرر لولا درجات الحرارة العالية ما تفجرت هذه المشكلة، ما استتبع صدور توجيهات من الرئيس السيسي للحكومة بتشكيل خلية أزمة لدراسة الأزمة.
وخرجت توصيات مجلس الوزراء حيال هذه الأزمة بصورة أراها ليست كاملة أو لم تتعرض للأزمة ومسبباتها من جميع النواحي، وبالتالي لم تصدر كافة القرارات المطلوبة لتلافي وقوع مثل هذه المأساة فيما بعد.
الحادث أيضا أنه فى خلية الأزمة التي ترأسها رئيس مجلس الوزراء وشارك في عضويتها كافة الوزراء والمسئولين عن تنظيم الحج في مصر كان الجميع مصرا على التأكيد أن الحج المنظم من قبل الدولة وجهاتها، كان منظما علي خير ما يكون ولم تحدث فيه مخالفات..
والحقيقة أنني أري هذا التأكيد على دقة وصحة حج الدولة أمر ليس في محله وغير مطلوب الإشارة إليه أساسا لسبب بسيط هو ان أحدا لم يتعرض للحج المنظم من قبل الدولة المصرية، ولم يوجه أحدا إليه أية ملاحظات أو تقصير، فالكل يعلم أن الأزمة أو المأساة التي نجم عنها سقوط أعداد كبيرة من الوفيات من المصريين، كانت في نطاق الحجاج أو الراغبين في الحج دون تصريح.
الأمر الثاني أن خلية الأزمة، وكما أري، أصدرت عدة توجيهات لا يبدو منها أن الخلية وضعت يدها على المسببات الحقيقية للأزمة، وكان الأمر الأبرز فيما صدر عن الخلية هو توجيه رئيس الحكومة بوقف عمل 16 شركة سياحة وإحالة المخالفات المثبتة بحقها للنيابة العامة.
تجاهلت خلية الأزمة ما يعرف بكود العمرة، وهو الإسم الحركي لكافة عمليات التكسب والتلاعب في أمور الحج والعمرة، هذا الكود تحصل عليه أي شركة سياحة مرخص لها تنظيم أو الإشراف على تننظيم العمرات طالما تم دفع إتاوة مقننة للدولة المصرية بمبلغ يترواح ما بين 3 الى 5 الاف جنيه لكل معتمر نظير الحصول على الكود كإجراء تكميلي أوشكلي لاستكمال المستندات والإجراءات المطلوبة للسفر لأداء العمرة.
أيضا.. كود العمرة هذا تروج وزارة السياحة عنه بالخطأ أو بالتدليس أنه من أجل حماية المعتمر وحفظ حقه، والحقيقة أنه لا حماية للمعتمر أو حفظ حقه لسبب بسيط أن المعتمر تنقطع صلته بكل أجهزة الدولة المصرية بمجرد حصوله على الكود وركوب الطائرة متوجها للأراضي المقدسة.
كود العمرة كذلك بات هو السبوبة الوحيدة للكثير من شركات السياحة، التي أطاحت الثورة التكنولوجية بغالبية برامجها ومكاسبها، وبات المعتمر وعبر الإنترنت قادرا من محل اقامته في القاهرة، حجز الفنادق ووسائل الانتقال بين الحرمين الشريفين بكل سهولة ويسر وبتوفير كبير في النفقات التي كان تكبدها لو نظم رحلته عبر إحدى شركات السياحة!
فغالبية شركات السياحة استسهلت استصدار التأشيرات من السفارة السعودية بالقاهرة دون تنظيم رحلات حقيقية واكتفت بالحصول على مبلغ لا يقل عن 10 الاف جنيه من راغب العمرة، يقسم هذا المبلغ بين السفارة التي تحصل على الرسوم المقررة لاستصدار التأشيرة، وبين وزارة السياحة لاستصدار ما يعرف بكود العمرة والباقي تحصل عليه شركة السياحة دون أدني مسئولية أو جهد أو أي متابعة لذلك الحاصل على تأشيرة العمر!
أيضا وزارة السياحة والمسئولة عن التنظيم والإشراف على الحج والعمرة، رضيت بالإتاوة المتحصلة من كود العمرة ولم تدع أجهزتها تتابع الشركات التي تحصل على تأشيرات للعمرة بالتحديد وتتأكد انها تنفذ يرامج سياحية فعلية أم لا!
وحيال هذا الاستغلال وجد راغب العمرة والحج نفسه فريسة بين شركات سياحة وأجهزة رسمية لا يهمها إلا الإتاوة، وبين سماسرة لديهم قدرات على استجلاب تأشيرات مختلفة من السلطات السعودية، ومنها تأشيرة الزيارة التي سافر بها مئات المصريين الذين مات الكثيرين منهم دون أن تعرف أية جهة رسمية مصرية كيف خرجوا وماذا فعلوا وما الذي تعرضوا له حتى عثر على جثثهم ملقاة في الجبال والطرق في المشاعر المقدسة.