رئيس التحرير
عصام كامل

آفات الطريق إلى الله (3).. التكبر

حثَّ الإسلام على التواضع حتى تسود المودة والمحبة بين الناس والتعاون على فعل الخير، ونهى عن التكبر والخيلاء والتعالي لأن ذلك يتنافى مع الأخلاق الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

 

والتكبر صفة شيطانية وأول ذنب ارتُكب في الوجود، حيث رفض إبليس أمر الله له بالسجود لآدم عليه السلام.. قال تعالى: (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ).

فطُرد إبليس من الجنة بسبب تكبره، وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ).

 

الكبرياء ردائي والعظمة إزاري

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التكبر، حيث قال: "يقول الله تعالى؛ الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم ولا أبالي"، وقال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، فقال: إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس".

 

وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتجَّت الجنة والنار، فقالت النار: فيّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء المسلمين ومساكينهم، فقضى الله بينهما إنك الجنة أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أُعذِّب بك من أشاء، وكليكما علي ملؤها". 

 

والكبر يؤدي إلى ظلم الناس وتسفيههم واحتقارهم والتهوين من شأنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يغشاهم الذل يدوسهم الناس بأقدامهم".

 

تواضع عمر بن الخطاب

 وعرف السلف الصالح مغبة الكبر وعواقبه الوخيمة، فابتعدوا عنه وتمسكوا بخلق التواضع فزادهم الله عزا ومكّن لهم في الأرض، فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين كان قادمًا إلى الشام ومعه غلامه ومعهما ناقة يتعاقبانها في الركوب أحدهما يركب، والآخر يأخذ بزمام الناقة، فلما قربا من الشام كانت نوبة الغلام فركب وأخذ عمر بزمام الناقة فخرج أبو عبيدة الجراح وكان أميرًا على الشام، فقال: يا أمير المؤمنين إن عظماء الشام يخرجون إليك ولا نحب أن يروك على هذه الحالة، فقال عمر: إنما أعزنا الله بالإسلام فلا نبالي بمقالة الناس. 

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلام: «المؤمن للمؤمن كالأرض الذلول»، ومن علاج الكبر مقاومة مظاهره السلوكية بالتواضع، وصحبة أهل التواضع والفقراء ومجالسة المساكين، حتى يتمكن من كبرت عليه نفسه أن يكسر شوكتها.

 

الغرور والتكبر أشد الآفات غطرسة

باختصار، الغُرور داءٌ، وشعورٌ مصدرهُ النَقص لا الثقَة. قد يغترُ الإنسانُ بكَثرة ماله أو حسن جماله أو قوَة سُلطتهِ، ولَم يفقَه يَومًا بأنَ دوامَ الحالِ مِن المُحال، يَقول اللهُ تَعالى فِي سُورة غافِر، آيَة رقَم (35) "كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ"، فيُغالي المَرءُ في تقييم نفسِه، وتَثمينِ فَضائلها، مُختزلًا محاسنَ غيرهُ ومُستصغرها.

 

الغرور والتكبر أشد الآفات غطرسة وعجرفة، خطت تأثيرها، وطَفت سَطوتهُا عَلى المرءِ والمُجتمَع، فغَدت بِهالةٍ مِن التصلّف والعتوّ، وحبِّ الذاتِ والأنانيّة ضلالةً كانَت أم عَلى بيّنة وَحقّ، يَقولُ اللهُ تَعالى في سُورة الأعرَاف: “سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ”.. 

 

 

والكِبر حينَ يستَشري في نفسِ المَرء، يستَحكم قَلبه، ويُفتن عَقله، مُتغاضيًا عَلى نَقصه، مُشهّرًا سَوءة غَيره، وإن تكلّم تبجَح، وإن مَشى اختَال، وإن نَصحَ تَباهَى، وإن سَاعدَ تَعاظَم، وإن أعطَى شاخَ، ويُسهبُ في الزهوِ والإعجَاب في نفسهِ، يقولُ الله تعالَى فِي سُورة لُقمَان، فِي آيَة رقَم (19) "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ".

الجريدة الرسمية