ساخرون، حكاوى زمان.. محمود السعدنى يكتب: صيف القاهرة وجماله
فى مجلة صباح الخير صيف عام 1961 كتب الكاتب الساخر، محمود السعدنى مقالا قال فيه: منذ عشرين عاما لم يكن العبد لله يعرف الفرق بين الشتاء والصيف، صحيح كنت أسمع عن رحلة الشتاء والصيف التى كان يقوم بها تجار مكة..
وصحيح أعلم أن الشتاء بارد ممطر وعتمة والصيف نار حار مشمس صحيح والله العظيم، كنت أعلم أن شوربة العدس حلوة فى الليالى القارسة للتدفئة، وأن الملوخية الخضراء أحلى فى ليالى الصيف، كما أن الصيف فيه بطيخ والشتاء فيه برتقال.. وهذه هى كل معلوماتى عن الشتاء والصيف.
وأضاف “السعدني”: لم أقصد شيئا عندما قلت إننى لم أكن أعرف الفرق بين الشتاء والصيف.. فلم يكن العبد لله أهبل ولا عبيط أو بريـالة.. لكن الصيف والشتاء لهما معنى آخر لم أكن أدركه في تلك الأيام..
مثلا أنا لم أذهب إلى الإسكندرية فى طفولتى إلا مرة واحدة عام 1941، وكانت الحرب العالمية شغالة على أشدها، ذهبت إليها هربانا من البيت ومن المعهد العلمى، مفلسا ليس معى إلا القسط الأول من مصاريف المدرسة، خرمانا ليس معى سيجارة واحدة. كان الوقت شتاء والمدينة مصفصفة لا حس ولا خبر، وكان همى الوحيد هو أن أدقق النظر فى الفضاء البعيد لأتفرج على أوروبا.
وهلَّ الصيف وأنا ارتدى بدلة يتيمة، ولم يخطر على ذهنى أنى سأقابل ناس نصف عرايا يلعبون فى المياه، ونسوان زى القشطة يتمرغون على الرملة وأولاد عرايا خالص يبلبطون فى البحر كالبط الموجود فى ترعة بلدنا.
واختتم “السعدني” مقاله قائلا: “وأقول الصيف ليس سيدى بشر أو العصافرة أو حتى العجمى أو الستات العرايا أو الرجال أصحاب الكروش الحمضانة، وإننى أعتبر زبونا دائمًا لبلاج القاهرة الساحرة.. وهنا لم أقصد الكورنيش، لكنى أقصد حارة دعبس وزقاق المدق وعلى حشيشة خضراء أو على دكة فى ممر..
الصيف أيها المصطافون ليس بلاجا وليس مايوهات أو قصص حب هايفة، لكن الصيف حصيره واسعة قاعدة حلوة وقرطاس ترمس ساعة العصارى، أو مركب يتهادى حول جزيرة، وكرسى قش على مقهى بلدى، أو حصيرة على ظهر البيت.. المهم الكل ما أحلاه، والذين لا يرون الليل هم مثل البهائم لا يفقهون شيئا فى الحياة.