في بلادي.. لا حياة لمن تنادي!
اتخذت الحكومة الرشيدة قرارها برفع سعر رغيف الخبز لـ20 قرشًا أي بنسبة 300% اعتبارًا من صبيحة الغد الأول من يونيو، وأكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أن سعر رغيف الخبز لم يتحرك منذ 30 سنة -وهذا غير صحيح لأن السعر تحرك فعليا بصورة غير مباشرة عندما تم تخفيض وزنه أكثر من مرة وفي كل مرة تعلن الحكومة أن ذلك في مصلحة المواطن!- في حين أن فارق السعر بين التكلفة والدعم يحمل الدولة أعباءً مالية كبيرة..
وذكر رئيس الوزراء أن هدف الحكومة تقليص هذا الدعم بصورة كبيرة، وكأن الحكومة قد وفرت للمواطنين المرتبات والأموال التي يواجهون بها انفلات الأسعار من التجار والمستوردين من جهة، ومن الحكومة ذاتها التي تتفنن في رفع أسعار كافة الخدمات والمرافق من جهة أخرى.
وطبعا يتدخل وزير التموين على الخط ليؤكد أن ذلك الرفع أقل بكثير من السعر الحقيقي ويمثل 16% من تكلفة الرغيف الذي ارتفعت إلى 125 قرشا بدلا من 115 قرشا العام الماضي.
وجاء ذلك الرفع بعد إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، إلى أن فاتورة الدعم الحكومي لرغيف الخبز بلغت 130 مليار جنيه سنويا حيث قال: "الرغيف أبو شلن (5 قروش) يكلف جنيها وربع.. بعد ما كانت ميزانية الدولة تتكلف دعما لرغيف الخبز بين 20 و30 مليار جنيه (420-631 مليون دولار).. أصبح بين 120 و130 مليارا (2.5 -2.7 مليار دولار)".
وبعد هذا الرفع لسعر رغيف الخبز أو قوت المصري الغلبان أضاف مدبولي أن حكومته الرشيدة التي تحنو على المواطن الفقير وترفق به، تدرس تحويل الدعم العيني إلى نقدي للأسر المستحقة، لكنه أكد أن الدولة ستظل ملتزمة بالدعم ولا سيما على السلع الأساسية، وأن ما يجري هو محاولة لترشيده فحسب!
بمعنى أن حكومة الدكتور مصطفى مدبولي تحب الفقير وستظل تدعمه ولن تتركه فريسة للغلاء، صحيح أنها ستسحب منه دعم رغيف الخبز، ودعم الكهرباء والمياه والغاز وأنبوبة البوتاجاز، وكافة السلع التموينية، والعلاج في المستشفيات العامة الخ، لكنها ستظل ترفق به وتحبه وتحنو عليه، وسوف تعطيه بدلا من كل ذلك 1000 جنيه شهريا يستطيع أن ينفق من خلالها ويشتري ما يشاء..
فيعالج ويدفع فاتورة الكهرباء بعد رفع الدعم عنها، ويدفع سعر رغيف الخبز 20 قرشا بعد رفع الدعم، ويسدد ثمن أنبوبة البوتاجاز بعد رفع الدعم الخ، وبعد ذلك سيبقى له من 1000 جنيه مبلغ كبير ممكن يدخره لمستقبله المشرق الذي وجد فيه من يرفق به ويحنو عليه.
فالحقيقة الواضحة والمرة والتي يحاول الكثير تجميلها وإظهار أن ما تقوم به الحكومة في صالح الفقير، أن قرار الحكومة بزيادة سعر رغيف خبز التموين من 5 قروش إلى 20 قرشا مرة واحدة هو قرار صعب جدا وظالم، ويحمِّل الفقير المشقة، فهذا الفقير سيضطر إلى مواجهة أعباء أسرته من رغيف الخبز فقط يوميا بعد الارتفاع الكبير، وأسرته تعتمد أساسا على رغيف الخبز للحياة..
توجيهات صندوق النقد
وكل ذلك لأن الحكومة الرشيدة التي تتبجح بنجاحها الاقتصادي والاستثماري عاجزة عن تحقيق العدالة الاجتماعية المنصوص عليها في الدستور، وبدلا من العدالة الاجتماعية والتي تعني العدالة من حيث توزيع الثروة، والفرص، والامتيازات داخل المجتمع، تستبدل الحكومة العدالة الاجتماعية بالحماية الاجتماعية؛ أي تلك البرامج التي حددها لها صندوق النقد بزعم حماية الطبقة الفقيرة..
وكأن الطبقة الفقيرة لا حق لها في الثروات، وإنما هي طبقة متسولة لا تستحق سوى الإحسان من خلال برامج تعطيها بعض المال لا تسمن ولا تغني من جوع؛ لتواجه قدرها بعيدا عن ثروات الوطن التي لها حق فيها، فهي الطبقة التي تمثل الشعب المصري..
الذي صارت حكومته تنفذ اشتراطات صندوق النقد في رفع الدعم وترك الفقير في مهب الريح حتى يرضى صندوق النقد، ويظل يقرض الحكومة ويوصي بإقراضها من كل الجهات المانحة، حيث تعتزم الحكومة اقتراض 2.850 تريليون جنيه من السوق المحلي والدولي في العام المالي المقبل؛ لتتمكن من الإنتهاء من مشروعات الطرق والكباري والعاصمة الإدارية والقطار السريع..
وكل ذلك تلبية لاحتياجات الأثرياء والأغنياء على حساب الفقراء، فالطرق والمنتجعات السياحية والعاصمة الإدارية والأبراج والقطار السريع الخ كل ذلك يصب في سبيل راحة الأغنياء والأثرياء، أما الفقير فتعرض الحكومة المستشفيات العامة والوحدات الصحية التي يعالج فيها للتأجير، وبعدها يأتي دور عرض المدارس الحكومية الخاصة بالفقير للتأجير الخ لحرص الحكومة على الفقير والعطف عليه والرفق به والحنو عليه.
الحكومة تنتهج سياسة فاشلة اقتصادية تنبع من اتباع أوامر صندوق النقد؛ مما جعلها تتخذ قرار التعويم الكارثي دون دراسة أو دراية ولكن فقط لتحقيق أوامر الصندوق في تدمير الفقير، فتخفيض سعر صرف الجنيه المصري من نحو ثلاثين جنيه للدولار إلى نحو 50 جنيها أدى إلى ارتفاع فاتورة الدعم بنفس النسبة تقريبا لارتفاع سعر القمح والغاز والبترول مقوما بالعملة الأجنبية بعد التعويم..
وبالتالي فإن شكوى الحكومة اليوم مما اقترفته يدها هي من عبث اقتصادي واستخدام ذلك ذريعة لذبح المواطن المذبوح أصلا، إنما هو نوع من السفه وعدم الإحساس بالمسؤولية بشكل مطلق. فرفع أسعار الخبز لن يلبي متطلبات الدولة فيما يتعلق بترشيد الدعم بشكل كبير، لكنه يأتي تنفيذا لاشتراطات صندوق النقد الدولي وروشتة الإصلاح حيث اتفقت الحكومة مع صندوق النقد على إلغاء الدعم العيني، واستبداله بالدعم النقدي.
وفي أكثر من مناسبة أكد صندوق النقد أن مصر مطالبة بتحويل الدعم العيني بما في ذلك دعم المحروقات والطاقة، إلى دعم نقدي من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا.
ومن المعروف أنه يعيش ما يقرب من ثلثي سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، وما تقوم به الحكومة يشير إلى أنها تريد تحميل المواطن فارق سعر الصرف بين الدولار والجنيه بعد قرارها الكارثي بالتعويم.