ساخرون، حكاوي زمان.. أنيس منصور يحذر من الطلاق بسبب الأوراق القديمة
فى مجلة الجيل التى كان يرأس تحريرها الكاتب الصحفى موسى صبرى، وفى شهر أغسطس عام 1955 تذكر الكاتب أنيس منصور يوم ميلاده وهو اليوم الذى اعتاد فيه أن يقلب فى أوراقه القديمة ليسترجع ذكرياته خلال الماضى فكتب مقالا تحت عنوان أوراق من الماضى، يقول فيه:
أنا أحتفظ بكل أوراقى القديمة، بكل الخطابات والصور التى تلقيتها فى حياتى كلها، أرتبها وأنظمها وأضعها فى مكان أمين، وأخاف أن تقع عليها يد أحد من الناس فى بيتنا، مع أن بيتنا لا يوجد فيه إلا والدتى التى تتمنى أن يتوب الله على ولدها من القراءة وإضاعة أمواله فى شراء الكتب، والسهر طوال الليل في قراءتها.
في بعض الأيام خاصة في ذكرى ميلادى كنت أحس برغبة قوية تدفعنى إلى هذه الخطابات وهذه الصور، فأقرأها من جديد، وأنفض عنها التراب، وأقرأ بعضها مرات ومرات وكلها بلغات مختلفة، وتمر عليها أصابعى كأنما تمر على أصابع البيانو فإذا هى جميعًا تنطق بكل خطاب نغمة، وبكل صورة لون وطعم ورائحة.
وإذا أنا أعيش من جديد في الأيام الحلوة التى مضت كلها، وأقف عند بعض الخطابات وأهز رأسى وأنا أسخر من نفسى ومن غيرى، أو أرثى لنفسى ولغيرى، فكل ما فات لم يمت وكل قديم له قصة جديدة كما يقول المثل الألمانى. كنت أظن نفسى أكثر الناس حرصًا على كل شيء قديم لكنى وجدت أصدقاء أكثر منى حرصًا وأكثر منى شقاءً بكل ما هو قديم.
لى صديق تزوج منذ ثلاث سنوات ولا شيء ينغص حياته الزوجية إلا هذه الخطابات والصور القديمة التى يحتفظ بها فى مكتبه والتى كادت تقضى إلى الطلاق لولا أنه نقل كل خطاباته القديمة إلى بيت أحد الأصدقاء، أما هذا الصديق فهو أنا وعرفت زوجته ذلك، وجاء دورى لتغضب منى هذه السيدة، وهى لا تزال غاضبة.
أعرف صديقًا شجاعًا أو جبانًا لا أدرى قام بحرق جميع أوراقه القديمة، وما زال يضرب رأسه فى الحائط ندمًا، وكثير من الناس يفضلون الحياة مع الماضى عندما يكون الحاضر قاسيًا وحزينًا، إنهم يعيشون على الذكريات مع الخطابات والصور ويجدون السعادة الكبرى في أن تتلوث أصابعهم بالتراب فهل هذه سعادة؟