ساخرون، حكاوي زمان.. أحمد رجب يكتب: صباح الخير أيها الشر
فى مؤلفه “أى كلام” كتب الكاتب الساخر أحمد رجب تحت عنوان صباح الخير أيها الشر، يقول:
يسألوننا دائمًا -نحن الصحفيين- لماذا لا تنشرون إلا الأخبار المفزعة؟ يا جماعة الخير، الأصل في الإنسان فعل الخير أما الشر فهو استثناء من القاعدة، بدليل أن الإنسان يحتاج إلى مقدرة خاصة لارتكابه..
ولهذا حظى ممثلو أدوار الشر بنجاح جماهيري عريض، محمود المليجى مثلا وفريد شوقى بنى كل منهما اسمه بفضل أدوار الشر، والشرير العالمى “جى آر” بطل مسلسل دالاس أصبح معبود الجماهير بعد أن تجسدت فيه المقدرة الخارقة على إتيان السفالات بكل أنواعها، والشر خبر لأنه يعلن عن نفسه، فالزوجة السعيدة لا تقول إنها سعيدة خوفا من العين والحسد، والزوجة التعيسة يسمعها الشارع كله لأنها ترقع بالصوت..
والحب بين الاثنين يتم فى همس، والشجار بين اثنين لا بد له من زعيق، ولو كان الأصل فى الإنسان فعل الشر بينما الخير معاقب عليه لأصبح الخير فى هذه الحالة خبرا صحفيا يستحق النشر، ولقرائنا مثلا هذه العناوين فى صفحة الحوادث: ضبط رجل يسهر سهرة عائلية بريئة بين زوجته وأولاده، شهود النفى يقولون أمام النيابة أن الرجل عربيد وسكير ويقضى لياليه فى الكباريهات.
وتاجر كوكايين يحاول إنقاذ المتهم من التهمة الموجهة إليه، ويؤكد أمام النيابة أن المتهم منحط وشمام، بينما أحد جيران المتهم وهو أحد شهود الإثبات يهد بأن السلوك المستقيم للمتهم يبعث على الخجل فهو يسهر أمام التليفزيون مع أسرته، ويدافع محامى المتهم بأن موكله يقوم بأعمال الخير لأنه متخلف عقليا.
والقارئ يطالع الصحف فى الصباح فلا يقرأ إلا شرا، أخبار المذابح فى الكرة، حروب إسرائيل وأحداث لبنان وأخبار الجرائم يقتل زوجته لأنها تطالب بقضاء الصيف فى المصيف، يقتل ابنته لأنها تصالحت مع زوجها الذى ضربها.
وقد يتساءل قراء كثيرون، أليس هناك غير الشر خبرا، أليس فى الإمكان إصدار جريدة تحمل للناس الأخبار الطيبة فقط ممكن طبعا، وهناك لذلك إحدى طريقتين.. الأولى أن تكون صياغة الخبر لطيفة وغير مزعجة مثل: حدثت أمس مناقشة بين فلان الفلاني وزوجته حول قضاء الصيف فى أحد المصايف، وقد فكر الزوج فى خنق زوجته عندما ضاق بالمناقشة، لكنه هزم الشيطان فاحتضن زوجته بشدة حتى ماتت متأثرة بإسفكسيا الخنق أثناء حضنه العاطفى الدافئ.
أما الطريقة الأخرى: فهى أن نستبعد أخبار الشر تماما وننشر الأخبار الطيبة لنثبت أن كل بيت ترتفع منه صرخة يقابله ألف بيت تغمره ضحكات السعادة، ونطالب وزارة الداخلية بتخصيص دفتر أحوال فى أقسام البوليس لنثبت فى هذه الدفاتر الوقائع الطيبة؛ فندلل بذلك على أنها أكثر من الحوادث المؤسفة، والآن ما رأيك فى جريدة لا تنشر إلا الأعمال الطيبة، أعتقد أن مثل هذه الجريدة ستجعل الناس يقبلون بشدة على الجرائد الأخرى.