النظر إلى الجنة من فوق سجادة صلاة!
في غمرة مشاعر الخوف والترقب، وقبل أن يطرَق باب غرفة العمليات، نهض الطفل كريم، 10 سنوات، من سريره، مُرتديًا ثوب العمليات الأزرق. لم يكن يخشى الإبرة المخيفة، أو آلام الجراحة، بل كان يملأه شعورٌ عميقٌ بالحاجة إلى التواصل مع خالقه.
كان كريم معروفًا بتدينه وحبه للصلاة، وفي ذلك اليوم، على الرغم من شعوره بالتعب الشديد، أصرَّ على أداء فريضة المغرب قبل دخول غرفة العمليات. نظر إلى والدته، وقال لها بكلمات بريئة: "أمي، أريد أن أصلي صلاة المغرب قبل العملية".
لم تُفاجَأ الأم بطلب ابنها، فقد كانت تعلم إيمانه العميق وتقواه وحفظه لكتاب الله. ساعدته على الوضوء، وفرشت له سجادة صغيرة على الأرض. كان وجهه مضاء بنور الإيمان، قال لها: "يا أمي، لا تخافي عليّ، الله معي وسيحفظني."
وقف كريم بِهدوءٍ وخشوعٍ، وصلى صلاة المغرب بتأنٍّ وتركيز واستغراق وصل إلى حد الذوبان، وكأنّه وكأنه يرى مقعده في الجنة! وبصوت حلو مسموع باكي لفت انتباه كل من كان في المكان، انتهى من الصلاة، ونظر إلى والدته بابتسامةٍ مشرقة، كأنّه قد تخلص من عبءٍ كبير، ثمّ قال لها: "أمي، لا تخافي، أنا بخير".
شعرت أم كريم بالرهبة من إيمان ابنها القوي، وودَّعته بحبٍ والدعاء لا يتقطع من على لسانها، وهي تعلم أن ابنها بين يدي الله. دخل الطاقم الطبي غرفة العمليات، وأخذوا الطفل معهم، فسادَ صمتٌ ثقيلٌ بالمكان، لم يقطعه سوى دعوات الأمّ المُخلصة لابنها، وبدأ الجراحون العملية، وكانت معقدة وطويلة، لكن كريم تحمَّلها بصبر وشجاعة.
ومرَّت ساعاتٌ، ولسوء الحظ، واجه الجراحون مضاعفات غير متوقعة خلال العملية، وفارق كريم الحياة. خرج بعدها الطبيب بِوجهٍ حزين، ليُخبر الأمّ بأنّ ابنها قد تُوفيّ! انهارت الأمُ على الأرض، تبكي بحرقةٍ على فلذة كبدها، لكنّ في أعماقها -مع ذلك- شعورٌ بالراحة يغمرها، فقد علمت أنّ إبنها رحلَ وهو على طُهرٍ وإيمانٍ، تاركًا خلفه ذكرى عطرةً تُنيرُ دروبها.
قصة هذا الطفل تذكيرٌ لنا جميعًا بأهمية الصلاة في حياتنا، وأنّها تُعطينا القوة والصبر في أحلك الظروف.. رحم الله الطفل الصالح، وألهم أهله الصبر والسلوان، ودعواتنا لها بالثبات وأن يكون كريم ذخرًا لها يوم القيامة على الصراط المستقيم..