حسن عبد الله والمسكوت عنه
حسن عبد الله القائم بأعمال محافظ البنك المركزي المصري أعلن عن عقد مؤتمر صحفي ليشرح فيه لوسائل الإعلام ومن ثم إلى الشعب المصري أسباب وتداعيات قراره الأخير بتحرير سعر الصرف أو الدخول فيما أسماه البعض مرونة السعر عرضا وطلبا.
ولأن الموضوع مهم فقد حرص جمع كبير من الصحفيين والإعلاميين وأنا واحد منهم إضافة إلى قادة العمل المصرفي في البلاد على متابعة المؤتمر، وجاء الرجل متأخرا عن موعده بأكثر من ساعة ربما لظروف خارجة عن إرادته وبدأ في استعراض القرار وتأثيراته وأجزم بأن ما جرى هو الصحيح وهو خطوة على طريق الإصلاح.
وعدد الرجل لأسباب اتخاذ القرار وهو بالمناسبة قرار تأخر كثيرا، وكانت تأثيرات عدم اتخاذه في الوقت المناسب كارثية.. المهم أن القائم بأعمال محافظ البنك المركزى طلب من الحضور كتابة استفساراتهم وهو ما التزمنا به، وبدأ في الإجابة على أطروحات الزملاء.
كانت الاستفهامات والاستفسارات المقدمة لسيادته كثيرة إلى حد أن مقدمة المؤتمر قالت إنها تحتاج إلى كتاب، بدأ القائم بأعمال محافظ البنك المركزى الإجابة على السؤال الأول ثم الثانى ثم الثالث وإذ فجأة توقف عن الإجابة معلنا نهاية المؤتمر الصحفى.
وحدود علمى أن مؤتمرا صحفيا مهما حول قرار هو الأهم خلال السنوات الماضية يحتاج إلى صبر وإرادة وعزم للرد على استفسارات الصحفيين، وكان لزاما على سيادته أن يبقى طويل البال، صادق النية، حريصا على توصيل رسالته التي أرادها من عقد المؤتمر وهو ما لم يحدث.
المهم أن ما قاله سيادته بين السطور كان أكثر أهمية مما قاله سطورا اهتم بها الزملاء في نشر رسالته، أو وجهة نظر الدولة فيما اتخذته من قرارات، فقد قال لا فض فوه وبشكل ناعم أن ما جرى هو جزء من الحل وليس الحل وأن الحل هو العمل على تنمية روافد الدولار من صناعة وإنتاج وسياحة وغيرها من الملفات المعطلة.
وهنا مربط الفرس، فما وصلنا من عملة صعبة جاء بصفقة بيع أرض أو مشاركة في مشروع إسكانى سياحى كبير، وأن هذه الأموال التي ردت الروح في شرايين الحكومة وأعادت إلي قلبها نبضا كان خافتا طوال سنوات مضت ليست إلا مجرد مشروع، لا يمكن الاعتماد عليه في حل الأزمة.
هل أدرنا حوارا مع القطاع السياحى لنعرف الطريق للحصول على نصيب وفير من كعكة السياحة العالمية ونصيبنا منه لايزال فتاتا؟ وهل أدرنا حوارا صادقا مع صناع مصر الذين يعانون وقد هرب منهم من هرب واختطفت دول أخرى أعدادا غفيرة منهم بإغراءات وحوافز لم يجدوها في بلادهم؟
هل تعمقنا في ملف الفلاح المصري الذي لايزال يواجه وحده منفردا فلاح أوروبا وآسيا وأمريكا المدعومين من دولهم؟ وهل درسنا ملف المصريين العاملين بالخارج بعيدا عن أننا وفرنا لهم طريقة سهلة لتجديد الرقم القومى أو جوازات السفر في قنصلياتنا بالخارج؟!
هل ناقشنا ملف الفساد المستشرى في أوصال الحكومة وجهازها الإدارى وهل عقدنا النية على أن نكون بصدق وجهة استثمارية قادرة على التنافس؟ هل درسنا ملفات دول كانت تقف في الطابور من ورائنا فأصبحت في المقدمة ونحن من ورائها نلهث في الفراغ؟
إن قرار تحرير سعر الصرف يكون وجيها إذا ما كنا قد قررنا اقتحام الملفات الصعبة، وحررنا مصر من احتكار الثروة والسلطة والمجال العام.. ربما أراد حسن عبد الله قول ذلك بالمرور سريعا على فكرة أن هناك ملفات أخرى يجب أن نتحرك فيها.. قال حسن عبد الله ذلك بين السطور ولا أعرف حتى الآن لماذا لم يقله صراحة فوق السطور؟!