تأملات في رأس الحكمة
لفت نظري في المشروع الضخم رأس الحكمة الذي تم الاتفاق فيه بين مصر والإمارات على تنمية واستثمار مدينة رأس الحكمة باستثمارات تبلغ 35 مليار دولار، وتصل الاستثمارات المتوقعة جراء تنفيذ المشروع على السنوات المقبلة إلى 170 مليار دولار (وليس 150 مليار دولار) عدة محطات:
أولا: أن ذلك المشروع يثبت بالدليل القاطع لكل مشكك في سياسة الحكومة المصرية وتطويرها للبنية التحتية من طرق وكباري وقطار سريع ومدن مستقبلية هي سياسة ناجحة بالفعل، فما كان لأي مستثمر أجنبي أن يغامر بمبالغ مالية ضخمة جدا في بلد ضعيفة من ناحية البنية التحتية وشبكة الطرق والكباري..
فمن كان يتحدث عن جدوى الطرق والكباري والمدن والعاصمة الإدارية والقطار السريع لمصر في وقت شح الدولار والتضخم عليه أن يراجع نفسه، فقد جاءت صفقة رأس الحكمة لتؤكد ضرورة بناء البنية التحتية لجذب الاستثمارات الخارجية.
فوجود شبكة طرق هو أهم مقومات النجاح لهذا المشروع القومي الثالث، فالطرق هي شرايين التنمية وقد تم البدء في تنفيذ مجموعة من المحاور العرضية التي تدعم الاتصالية بين المراكز العمرانية بهذا النطاق التنموي وبين باقي أنحاء الجمهورية، وخاصة مناطق الصعيد، وذلك ضمن الخطة القومية للطرق، التي أعلنت الحكومة بدء تنفيذها.
ويأتي في مقدمة هذه المحاور محور منخفض القطارة من طريق القاهرة – الإسكندرية، شرقًا بطول 220 كم وصولًا إلى رأس الحكمة، ووصلاته الفرعية إلى البرقان، الحمام، العلمين، الضبعة وفوكة، بالإضافة إلى ربط المنطقة بمحافظات الصعيد من خلال شبكة جديدة من المحاور العرضية، وهى محور البهنسا (المنيا) – الواحات البحرية - سيوة – جغبوب عند الحدود الليبية، أسيوط – الفرافرة – عين دلة – سيوة.
تحسين مناخ الاستثمار
ثانيا: المشروع ليس فقط مجرد إقامة مدينة سياحية موسمية لجذب السياح في اوقات محددة لكن المشروع أعمق وأكبر من ذلك بكثير، سيتضمن المشروع أحياء سكنية لكل المستويات وفنادق عالمية على أعلى مستوى ومنتجعات سياحية ومشروعات ترفيهية عملاقة، بالإضافة إلى كل الخدمات العمرانية الموجودة في كل مدنية سواء مدارس وجامعات ومستشفيات ومبان إدارية وخدمية..
بالإضافة إلى منطقة حرة خدمية خاصة سيكون فيها صناعات تكنولوجية وخفيفة وخدمات لوجستية وحي مركزي للمال والأعمال، لاستقطاب الشركات العالمية الموجودة في كل مكان. والمدينة سيكون بها مارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية..
وخارج أرض المشروع تم الاتفاق على إنشاء مطار دولي جنوب المدينة، عبر تخصيص أرض لوزارة الطيران المصرية، وسيتم التعاقد مع شركة أبوظبي التنموية لتطوير وتنمية المطار ويكون للدولة المصرية حصة من العوائد التي تخرج من هذا المطار.
ومن المقرر أن تشمل هذه المنطقة مناطق صناعية ولوجيستية وميناء رئيسي متعدد الأغراض ومركز للحرف والصناعات اليدوية وإنشاء مدينة أوليمبية، بالإضافة إلى مدينة سكنية متكاملة المرافق والخدمات وطرح وحدات سكنية للشباب وإنشاء سكن اجتماعي، بالإضافة لإنشاء منطقة صناعية متطورة للصناعات الصغيرة والمتوسطة ومنطقة معارض مفتوحة للتسويق.
والمدينة ستكون عالمية بكل المقاييس وعلى أعلى مستوى وسوف تستقطب نحو 8 ملايين سائح إضافي؛ يأتون إلى مصر مع اكتمال بناء هذه المدينة العملاقة.
ثالثا: يثبت هذا المشروع بالدليل القاطع أن المستثمر الأجنبي أذكى وأكثر نضجا من نظيره المحلي الذي لا زال يفكر ويفكر ويفكر، ولا يقدم على الاستثمار في مصر لأسباب قد يكون بعضها راجع لأفكار مذهبية وإيديولوجيا دينية، وبعضها لعدم ثقته في مناخ الاستثمار المصري، وبعضها لتجارب سيئة الخ..
لكن في الحقيقة هو غير محق في عدم الوقوف بجانب دولته وتنميتها مع تحقيقه مكاسب خيالية، والدولة خلال العامين الماضيين حققت نقلة نوعية كبيرة جدًا في تحسين مناخ الاستثمار، حيث تم إجراء تعديلات تشريعية كبيرة جدا، وتم إعطاء أولوية لقطاع الصناعة وتخصيص الأراضي، وعمل مجموعة من الحوافز وتم إطلاق الرخصة الذهبية لكل المشروعات، وتيسير الإجراءات وتخصيص الأراضي، كل ذلك من أجل جذب المستثمر المحلي الذي مازال يفكر ويفكر ويفكر، وأحيانا يكتفي بتقديم الشكر للمستثمر الأجنبي لأنه يستثمر في مصر!
القضاء على أزمة الدولار
رابعا: قد يتساءل المواطن البسيط: وماذا سيعود على من هذه الصفقة الكبيرة والمشروع الضخم؟ والرد أن النقد الأجنبي الذي سيتدفق إلى مصر جراء الصفقة، سوف يسهم في حل أزمة السيولة الدولارية التي تشهدها البلاد، وبالتالي تحقيق الاستقرار النقدي..
ومن ثم كبح جماح التضخم وخفض معدلاته، خاصةً من خلال خطة الإصلاحات الهيكلية التي تقوم بها الدولة، وبالتالي انخفاض الأسعار بصفة عامة، كما أن توافر الدولارات يؤدي إلى استقرار استيراد الأعلاف بأسعار مخفضة مما يساهم في تخفيض أسعار اللحوم والدواجن والأسماك وباقي السلع المستوردة، والتي نتمنى أن تقوم الدولة بالتوسع في الزراعة والصناعة لتقليل فاتورة الاستيراد وذلك هو الحل الأمثل لأزمة النقد الأجنبي في مصر.
كما أن الصفقة تساعد أيضًا في القضاء على وجود سعرين للعملة في السوق المصرية، مما يؤدي إلى استقرار أسعار السلع وجذب استثمارات أكثر الأمر الذي سيخلق ملايين من فرص العمل؛ حيث تحتاج مصر إلى أكثر من مليون فرصة عمل جديدة سنويًا؛ لذا تحتاج الدولة إلى تكرار مثل تلك المشروعات.
كما أن ذلك المشروع من شأنه وضع مصر على خريطة السياحة العالمية وضمان السياحة كمصدر مستدام للعملة الأجنبية، والسياحة تعني دوران دولاب العمل المصري كله وانتعاش الحالة الاقتصادية لكل المصريين بصورة مباشرة وغير مباشرة.
كما أن تدفق النقد الأجنبي وانتعاش الحالة الاقتصادية لمصر سيجعل هناك أولوية لتنمية ونهضة قطاعي الصحة والتعليم، بالإضافة إلى مشروع حياة كريمة، الذي يخدم 60 مليون مواطن من شعب مصر، والذي يعتبر من أهم المشروعات القومية التي تنفذها الدولة المصرية.