انخفاض فاتورة الواردات وأزمة الأسعار
وجه آخر لأزمة الأسعار الخارقة التى يعيشها المواطن المصرى منذ عامين أو أكثر، ليس فقط أزمة الدولار واضطراب سوق النقد المحلى وإنما أيضا انعكاسها الخطير على تراجع فاتورة الواردات بقيمة بلغت نحو 12 مليار دولار خلال سبعة شهور فقط من العام الماضى.
وذلك بسبب القيود الحادة التى نفذها البنك المركزى لترشيد الاستيراد أو تقييده بهدف أساسى هو مواجهة أزمة نقص تدفقات الدولار وأعوانه من العملات الصعبة، حتى باتت قيوده الإجرائية الخاصة بعمليات تمويل النشاط الاستيرادى بمثابة هيمنة شبه كاملة تتحكم في عمليات الإفراج الجمركى عن رسائل البضائع الواردة من الخارج دون تفرقة تذكر بين سلع استهلاكية أو معمرة أو سلع وسيطة لازمة للإنتاج المحلى.
المؤشرات التى رصدها بوضوح تقرير صدر مؤخرا لجهاز التعبئة والإحصاء توضح أن حجم الانخفاض في السلع الأولية والوسائط الصناعية بلغت نسبته 36% عن العام الماضى، ونفس الأمر ينطبق على واردات السلع الاستهلاكية والمعمرة دون تفرقة.
تقييد الاستيراد وجنون الأسعار
القرارات الحادة ساوت بين استيراد سيارات وتليفونات وتليفزيونات وشوكلاته وبنبونى وغيرها من سلع الرفاهية، وبين السكر والأدوية وألبان الأطفال والذرة وفول الصويا الازم لعلف مزارع الدواجن ومشروعات تسمين المواشى ومنتجات اللحوم الحمراء والبيضاء وغيرها من سلع أساسية لازمة لأكل البني آدميين..
القرارات عمت الجميع لماذا؟ لأنها قرارات مالية حكمية وتحكمية وليست اقتصادية، وتأكيد لظاهرة الجزر المنعزلة بين وزارات حكومة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس وزرائنا طوال سنوات الأزمة وحتى الآن!
والعجيب في متابعة إعلاميين غير مسئولين للأزمة بالتهليل والتبشير بانجازات الحكومة في خفض فاتورة الواردات، دون وعى بالتفاصيل ولا بالمعالم الرئيسية والمزمنة المعروفة لكل متابع لحركة تجارتنا الخارجية منذ زمن، والتى تشير إلى أن نحو 85% من حجم الواردات السنوية هى لمستلزمات إنتاج ووسائط لازمة لقطاعات الإنتاج المحلى، سواء صناعى أو زراعى بما فيه لوازم الانتاج الداجنى ومشروعات التسمين وإنتاج اللحوم الحمراء.
الخلاصة أن قرارات تقييد الاستيراد ليست كلها فوائد ما لم تكن لأهداف اقتصادية وليست مالية.. وهى قرارات قد تعالج قصور مالى وعجز في تدفقات النقد الأجنبي ولكنها في نفس الوقت تقتل قواعد الانتاج المحلى ومصادر الدخل القومى بما فيها النقد الاجنبى على المدى البعيد.
والأهم أنها إن كان هدفها علاج أزمة طارئة فهى تصدر لنا عديد الأزمات التى ستعيش معنا لسنوات، وأخطرها ليس ما نعيشه الآن من اختناقات في جميع أسواق السلع غذائية واستهلاكية ومعمرة، ولكن في ارتباك مناخ الاستثمار المحلى وهجرة المستثمر المحلى والخارجى لأسواق أكثر استقرارا.
والأرقام والتقارير الرسمية التى تتكشف يوما بعد يوم تؤكد أن جنون الأسعار الذى نعيشه يحدث أكثره بفعل فاعل.. هي قرارات حكومة فاشلة في إدارة شأننا الاقتصادى بالحكمة الواجبة. حكومة اقتصادية جديدة بات مطلب شعبى.