تصحيح مسار الاقتصاد وخطايا الاستثمار
أخيرا وبعد سنوات من التخبط وغياب الرؤية.. أى رؤية رشيدة لتصحيح مسارات الاقتصاد الوطنى ومواجهة مشكلاته التى بدأت.. جميع أهل الاقتصاد المعنيين والمراقبين يعلمون مشكلات اقتصادنا الوطنى منذ زمن ويدركون أن مشكلاته بعضها مزمن وبعضها مستجد بفعل خطط واستراتيجيات كارثية، فعلتها الحكومة الحالية بعدم اعترافها بالواقع أو بالتجاهل والمكابرة بما ضاعف من الأزمة وادخلنا في حقبة جديدة من السنوات العجاف.
إتخذت الحكومة بالأمس أولى الخطوات الصحيحة لتصحيح مسار الاقتصاد الوطنى وخلق بيئة ملائمة للاستثمار العادل والشريف بين قطاعات المال والأعمال من خلال قرارها الهام بإلغاء كافة الإعفاءات الضريبية التى تمنحها سواء قوانين الضرائب أو المنظمة للاستثمار للجهات والهيئات والكيانات الاقتصادية والإدارية الحكومية.
نأمل أن تكون فاتحة خير لطمأنة المستثمر الوطنى وتشجيعه على ضخ مزيد من الاستثمارات في مشروعاته القائمة بدلا من هجرته إلى دول مجاورة أو أجنبية كما حدث في السنوات القليلة الاخيرة، وكذا جذب الاستثمارات العربية والاجنبية التى تسببت سياسات الشك والريبة المعتمدة من سنوات لاسبابها المعروفة في فقدان القطاع الخاص الثقة في الاستثمار بقطاعات الاقتصاد الوطنى سواء انتاجى أو خدمى وأدى إلي تداعيات كارثية تعانى منها كل قطاعاتنا الاقتصادية ويعاني الشعب بكل فئاته من آثارها المدمرة حاليا.
ومن المهم بعد أن اعترفت الحكومة بخطيئتها وتوجهاتها الكارثية في الفترة الماضية أن يكون التصحيح شاملا ووفق خطة مدروسة من خبراء اقتصاديون لديهم الخبرة والمعلومات الكافية بحجم المشكلات، وأن يملك القائمون على التنفيذ الصلاحيات الكافية للتخطيط والتنفيذ وفق أهداف مرحلية محددة وخطوات وبرامج متتابعة وبأولويات واضحة.
اضطراب أسواق النقد
أزمة الدولار صحيح أصبحت كالسرطان تضرب في كل إتجاه وأصابت كل خلايا الإقتصاد الوطني والأسواق بالوهن والضعف الشديد لكن الأزمة الأكبر في انكماش القطاعات الإنتاجية بسبب تراجع الاستثمارات الوطنية.
بل وهجرة الكثير منها إلى الخارج وأيضا إحجام المستثمر العربى والأجنبي عن ضخ تدفقات جديدة للاستثمار في بلادنا نتيجة مناخ استثمار غير عادل، ولا يوفر قواعد وآليات المنافسة المتكافئة بقواعدها المتعارف عليها دوليا فى وجود قطاع حكومى يحظى بالثقة والتكليف.
الأن اعترفت الحكومة بأن بياناتها عن حجم الاستثمارات والمشروعات الجديدة وارقام التجارة والتصدير فى القلب منها وأيضا مؤشرات النمو الاقتصادى مضللة وغير واقعية بالمرة.
الآن يطلعنا المحللون والمراقبون لأوضاعنا الاقتصادية أن أرقام الفرص الضائعة على تطور الاقتصاد الوطنى بقطاعاته الرئيسية كان كبيرا وخسائره التى يتحمل أعباءها حاليا الشعب كله كانت أكبر. والأخطر من ذلك إهدار الحكومة الحالية لعوائد المساندة والمساعدات العربية والتى بلغت أكثر من 50 مليار دولار.
والأخطر إهدار فوائض إلغاء ميزانية الدعم الحكومى شاملا دعم الطاقة والمواد البترولية وصولا إلى إلغاء الجزء الأكبر من الدعم السلعى وخدمات التعليم العام وغيرها، والتى كانت تشكل نسبة تصل إلى نحو 30 % من حجم الموازنة العامة سنويا، قيل وقتها أن الهدف هو ضبط أرقام الموازنة العامة، والنتيجة فقدان السيطرة على أرقام الدين العام ونسبة عجز الموازنة.
الحكومة ظلت تردد أنها الوحيدة -في ظل أزمات كورونا والحروب الإقليمية من حولنا- التى نجحت فى تحقيق معدلات نمو اقتصادى 3 و4 و5%.. كيف ذلك ومعدلات الاستثمار في تراجع مستمر وأزمة تعثر المشروعات الصناعية من أيام ثورة يناير والبالغ عددها وفق بيان رسمى نحو 17 ألف منشأة بلا حل شافى، أيضا ارتباك أرقام الموازنة العامة في تصاعد مستمر وفي مقدمتها أرقام الدين العام ونسبة عجز الموازنة.
الخلاصة أن الاضطراب الشديد في أسواق النقد محليا والمعروفة شعبيا بأزمة الدولار هى نتيجة والأزمة الكبرى الحقيقية هى أزمة اقتصاد كلي وشامل، وأزمة إنتاجية بالأساس، وكل قرارات الحكومة في السنوات الماضية مسكنات لا تواجه المرض الحقيقى.. لماذا؟ لأن الطبيب لا يدرى، أو نايم في العسل.. استشاري اقتصادى بفريق خبرة رفيع المستوى هو الحل.