حديث قلب
حياتك بعد التقاعد
سن التقاعد ينتظره معظم العاملين من أجل الحصول علي مستحقات نهاية الخدمة، لكن سرعان ما تتبخر هذه المستحقات في التزامات عائلية!
البعض يعتبر سن التقاعد مرحلة جديدة للاستمتاع بحياة خالية من المسئوليات، لكن سرعان ما يكتشفون الجانب المظلم بعد أن تختفي المرحلة الوردية المؤقتة، وغياب الأصدقاء والزملاء، ويعاني من الفراغ القاتل، فيصيبه الملل والاحباط!
المفكر الإسلامي الراحل الدكتور أحمد المزيني وضع روشتة مفيدة للاستفادة من هذا الفراغ والتقرب الي الله فقال..
سن التقاعد هو مكنسة تشفط من سجادة حياتك الوظيفية الشوائب من المُتسلقين وأصحاب المصالح.. جهازٌ دقيق يكشف لك معادن من كانوا حولك. أو هو مصفاة يتعلق بها الصفوة ممن عَرَفوك، وتتساقط منها شوائب من تعرفهم، والعاقل هو من لا يحزن على سقوطهم..
في سن التقاعد يبقي لك حقيقة ما تملك ويزول فيه سراب ما كنت واهمًا أنك تملكه.. يخفي ضرب الطبول التي كانت تدق من حولك ويُسمعك جمال وهدوء صوت من لا زال يُدندن من أجلك..
في سن التقاعد لن تضع هاتفك الجوال على الصامت لأنه في كلا الحالتين لن يَرِنْ وتُزعجك كثرة الإتصالات إلا من خيرة الخيرة ممن كانوا ولا يزالون حولك..
سن التقاعد يجعلك تكتشف أنّ لديك وقتًا كافيًا تقضيه مع ربُّك وأُسرتك في زمنٍ كان يسرِقُه منك أصحاب المصالح والعزائم والمُتسلّقي.. حياة حقيقية وجميلة تكتشف فيها كثيرًا من الحياة المُزيّفة التي كُنت تعيشها..
إذا كُنت في مجلس من الحضور، أرجوك لا تستعرض لهم إنجازاتك وبطولاتك الوظيفية فالكثير منهم سوف تنتابه حالة القرف والملل ولن يستفيدوا من صولاتك وغبار معاركك، أمّا القلّه القليلة منهم فسوف يشعُر بالعطف والشفقة عليك، فلا تحزن!
لا تُحاكي شباب العشرين في تفكيرهم وحياتهم حتى لا تكون أُضحوكة تفقد بها وقارك ومكانتك وجمال عمرك.. ولكن تعرَّف على كل جديد ينفعك وواكب كل المتغيّرات حتى لا تكون آلة يعلوها الصّدأ والغُبار..
كُن ابن بطوطة وسافر إلى البلدان إن كانت ظروفك تسمح بذلك، واكتشف ما كنت تجهله.. دوّن خبراتك وتجاربك في كتاب أو في مُذكرات أو أي وسيلة من وسائل التواصل كي يستفيد منها الجميع، فأنت في سن الحكمة ورجاحة العقل وإتزانه..
أكثر من أعمال الخير والصدقة حتى لا تقول: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي).. كنت في وظيفتك تُحب ما تعمل وحان الوقت لأن تعمل ما تُحب.. التقاعد حياة صافية هادئة أشغلها بالعبادة والقراءة وبكل ما هو جميل.. وأخيرًا فالعاقل من تقبَّل صوتَ الحقيقة، ولم يحزن على فَقْد سماعه صدى الأوهام..