تبرع نضمن لك الجنة بامتياز
تتقافز إلى منذ أكثر من أسبوع عبر شاشة التلفزيون مقاطع مصورة، لإعلانات الدعم والتحفيز للتبرع لحفر آبار مياه، من أجل الفقراء، وتلح تلك الإعلانات فى التبرع بمبلغ مالي لجمعية ما من أجل حفر بئر وبناء حوض بالطوب من أجل خدمة الأهالي مع كسوته بالسيراميك، والأهم من ذلك لصق لافتة رخام منقوش عليها إسم المتبرع حيا كان أو ميتا.
مياه غير معلومة المصدر أو مدى صلاحيتها للشرب والاستهلاك الآدمي إن كان تم فعلا جلبها من باطن الأرض، الا أن كم التغفيل الذي يتم للمتبرعين بايهامهم أن هذه الصنابير ممدودة من بئر ارتوازى عذب المياه، يثير الغثيان..
حيث أقسم لى أحد عمال المحارة الذين عملوا في إنشاء أحواض هذه الآبار المزعومة، أن الكثير من الجمعيات التى تتلقى التبرعات من أجل توفير سقي المياه تقوم بتوصيل المياه على الخطوط الحكومية خلسة ثم تفككها بعد أن تتم ما وصفها العامل بالمصلحة.
احتيال باسم الدين
وبعد أن يتم تدشين البئر وإيهام المتبرع بأنه أصبح من ذوى البر والإحسان بلوحة مزركشة باسمه ــ وهو إعلان يحمل بالمناسبة في حد ذاته نوعا من الرياء الممجوج لاداعى له ــ، تنقطع المياه عن الصنابير، بل وتختفى الصنابير ذاتها، ويبقى حوض المياه جافا طوال الوقت، بعد أن تم كما يقولون فى دارج العوام نحت السبوبة، وبالطبع لن يسأل المتبرع عن تردى حال البئر الوهمي وحتى لو سأل فسيكون الجواب واحدا:"إسال الأرض فلا علم لنا والله أعلم".
تكثيف تلك الاعلانات بضراوة يحمل سر الترغيب فيها بكل الوسائل وهو سلب المال، سواء كانت عن طريق استقطاب شيوخ معروفين أو أشخاص مجهولين ذوى لحى طويلة وجلاليب مهندمة، يتحدثون بالفصحى عن فضل سقي الماء وأهمية التبرع في سبيل الصدقة الجارية التي تضمن الجنة وتمحو الذنوب وتروي البطون أيضا.
رأيت مؤخرا تقريرا مصورا عن كيفية خداع الناس بهذه الأساليب لنهب أموالهم، بل ورأيت فى التقرير المصور عشرة آبار منشأة فى شارع واحد بإحدى القرى، كلها مفككة الصنابير وجافة.
وصادفت أيضا على طريق سلب الأموال، إعلانا لأحد شيوخ المقاطع المصورة وهو يحث الناس على التبرع بثمن عقيقة لإطعام الغلابة في أفريقيا، ويرشح فريقا بعينه لتلقى التبرعات، مع الباس حديثه عن أهمية هذا التبرع، لباس الاحتيال بالدين قائلا إنه من أجل حماية هؤلاء الجياع أولا من عبث الاخرين بعقولهم ودينهم.
ولم ينس هذا الشيخ المزعوم أن يسوق البشرى للجميع بأن ثمن تلك العقيقة لا يساوى الآن شئ بسيط وأن هذا العمل فى صالح المتبرع أن كان يريد الفوز بالجنة وحماية دين الله فى كافة ربوع الأرض وأحراش افريقيا، وأنه سيتم تصوير عملية الإطعام للمتبرع وإرسال الفيديو اليه.
ربما كان لابد من تشديد الرقابة على تلك الجمعيات الوهمية التى تم إيقافها مؤخرا بالفعل وضبط مسئولي بعضها بتهم الاختلاس من تبرعات لامست الملايين وتهم جمع تبرعات دون وجه حق من الجمهور.
وربما كان الأحرى بكل متبرع، يبتغى الهدف النبيل من تبرعه وهو التصدق على الفقراء، أن يتحرى فيمن حوله أولا من جيرانه وأقاربه عمن يحتاج الصدقة ويمنعه التعفف عن طلبها، بعيدا عن أورام الرياء المنتفخة وحب الرخام المنقوش.