رئيس التحرير
عصام كامل

حبايبنا الهبيدة

حملة الهبد والهجوم الشرس التي شنها البعض على مصر، خلال الأيام القليلة الماضية، والتي بدت وكأنها موجهة، لمجرد أن الحكومة قررت القيام بحصر لكل اللاجئين المقيمين بشكل شرعي أو غير شرعي في البلاد، لا تعني سوى أمرين لا ثالث لهما، أن كل من شارك في تلك الحملة، إما جاهل ويتمتع بانفصال كامل عن واقع الأزمات التي تعيشها مصر، أو مغرض وكاره وناكر للحقيقة.

 

فالواقع على الأرض يقول، إن مصر لم تتخذ إجراء علنيًا أو غير علني، يمكن الإستناد عليه لاتهامها بالعمل على طرد اللاجئين العرب، مثلما إدعى الأخوة الهبيدة، لاسيما أن ذات الواقع يؤكد، أنه لا توجد دولة في العالم فتحت ذراعيها على مدار التاريخ لإحتضان الأشقاء العرب في كل الأزمات، ودون قيد أو شرط مثل مصر، التي لم يحدث أن أغلقت يومًا حدودها أمام شقيق، أو أجبرت لاجئًا عربيًا أو غير عربي على الإقامة في مخيم مجبرًا معزولًا، مثل غيرها من الدول.

 

الإنصاف يحتم الإعتراف بأنه حق طبيعي ومشروع لمصر ولأي دولة في العالم، أن يكون لديها معلومات كاملة عن كل أجنبي يقيم على أراضيها، وهو إجراء متبع وتقوم به كل الدول، للتحقق من غرض الدخول، سواء كان للسياحة أو العمل أو مهمة أو اللجوء، لدرجة أن هناك دولًا تتوسع في هذا الحق وتلزم الزائر بمراجعة أقرب مركز أمني في حالة الإقامة بالبلاد لأكثر من أسبوعين.

حصر أعداد اللاجئين

كما أن ذات الإنصاف يحتم الاعتراف أيضًا، بأن الظروف التي ألمت بعدد من الدول العربية خلال السنوات الأخيرة جعلت مصر تتساهل بشكل كبير في مثل هذه الإجراءات، بشكل جعل الملايين من العرب والجنسيات الإفريقية يدخلون ويقيمون ويعملون في البلاد، دون إقامة أو إبلاغ السلطات، أو حتى تسجيل أنفسهم بمكتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر.

 

ورغم ذلك لم يقابل الأمر بأدنى اعتراض من الحكومة المصرية، التي تركت كل إجراءات الدخول والإقامة والتملك والعمل تسير بشكل طبيعي، إلى أن انفجرت الأوضاع في السودان في العام الماضي، حيث اضطرت مصر كعادتها -رغم الظروف الاقتصادية الطاحنة- إلى فتح حدودها أمام الملايين من الأشقاء السودانيين، مع زيادة الأعداد كان لابد من اجراء مراجعة لشرعية إقامة الجميع.

 

دعونا نتفق أن وجود ما يزيد على الـ20 مليون لاجئ على أرض مصر قد أضاف أعباء فوق الأعباء على الحكومة، كما زادت من معاناة المصريين، لاسيما بعد انتشار آلاف المشروعات الاستهلاكية التي أقامها ويعمل بها الآلاف من الأشقاء، والتي أثرت بالسلب على أصحاب ذات المهن من المصريين، وزادت من أعداد العاطلين في مصر.

 

في الوقت الذي بدأ ملايين البسطاء من المستأجرين المصريين يعانون الأمرين مع الملاك، بعد رفع الأشقاء السودانيين أسعار إيجارات الشقق إلى 5 أضعاف عما كانت عليه، خاصة في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة، التي بات السودانيون يشكلون بعدد من أحيائها شبه أغلبية.

 

المحزن في الأمر، أن أعباء اللاجئين في مصر لم تقابل بالثناء والمساندة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة مثلما حدث مع غيرها من الدول، حيث مازالت تواجه اتهامات بالمبالغة في أعداد اللاجئين، على الرغم من أن رقم الـ 9 ملايين لاجئ المسجلين بمكتب شؤون اللاجئين بالقاهرة، لا يعكس سوى أقل من نصف حقيقة الأعداد الموجودة بشكل فعلي في البلاد.

 

أعلم أن قضية الأشقاء اللاجئين إنسانية أكثر منها سياسية، وظني أن مصر ستظل الحضن الآمن لكل عربي، وأن الحكومة لن تقدم على المساس بشقيق بالبلاد، مثلما روج الأخوة الهبيدة عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وعدد من وسائل الإعلام بالخارج، غير أنه لا يوجد دولة في العالم قد تقبل بوجود أجنبي دون شرعية.

 

 

أتمنى أن يعي حبايبنا الهبيدة أن الإعلام ليس هبدًا، بل رصدا للحقيقة، التي تحتم الاعتراف بحق مصر كدولة ذات سيادة، في اتخاذ الإجراءات التي تكفل حصر وتقنين شرعية إقامة كل الأجانب بالبلاد وفقا للقوانين المصرية، مثلما تفعل غيرها من الدول مع المصريين المغتربين، ويتم الالتزام به طوعًا ودون اعتراض.. وكفى.

الجريدة الرسمية