موسى والخضر.. كيف نتعلم ممن قبلنا!
أروني نجاحا تحقق دون عمل وخبرة واستلهام لتجارب ناجحين في أي مجال؛ المؤكد أنه لا شيء ينمو من عدم، ولا طموح يتحقق في فراغ؛ فالإنجاز عمل تراكمي منظم له هدف وخطة وأدوات ومقومات لا غنى عنها؛ فالعلم والتعلم كلمة السر في أي نهضة أو تقدم للأفراد والشعوب على السواء..
وما من نموذج ناجح؛ فردًا كان أو دولة، تطور دون تعليم أو محاكاة لتجارب فذة صنعت نهضة حقيقية؛ ومن ثم جاءت أولى آيات القرآن بدعوة" ٱقۡرَأۡ"، أي تعلم، وجاءت الدعوات في القرآن أيضًا صريحة بالاستزادة من العلم بقوله تعالى: "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا"، وتلك إشارة إلى أن قطار التعلم عند الإنسان لا يتوقف، بل لا يجب أن يتوقف، طالما في الإنسان بقية قدرة وطاقة ورغبة في التعلم وطلب الاستزادة..
ولا يزال الرجل عالمًا يطلب العلم فإن ظن أنه علم فقد جهل؛ فالله تعالى يقول: “وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” {الإسراء:85}.. هكذا تتوارد الإشارات القرآنية تحثنا على طلب العلم والتعلم.
ومن وسائل التعلم الاستفادة من خبرة من سبقونا في الحياة؛ وتتعاظم أهمية تلك الاستفادة في عصرنا شديد التطور والتعقيد؛ ذلك أنه لا يمكن لإنسان اليوم الزعم بأنه اكتفى من العلم، أو ليس بحاجة لأن يتعلم أكثر مما تعلمه..
رسائل القرآن
فالمرء قد يصل إلى حد عميق في تخصصه، لكن ماذا عن بقية التخصصات والعلوم والمعارف؟ وليس معنى ذلك أن نتعلم كل العلوم كما يتعلمها المتخصصون فيها، ولكن شيئًا من كل شيء.
والسؤال هنا: كيف أن نتعلم ممن قبلنا، أو ممن سبقونا في الحياة، كالآباء والأمهات أو الزملاء الأكثر خبرة في العمل.. ما دمنا كلنا في حاجة لتناقل الخبرات من الأجيال السابقة؛ حتى لا نعيد اكتشاف العجلة من جديد؟!
رسائل القرآن واضحة في مسألة التعلم؛ ففيه قصة نبي الله موسى والخضر عليهما السلام حين جاء الأول يومًا فخطب أمام حشد كبير من بني إسرائيل، ثم سأله سائل: هل هناك من هو أعلم منك يا موسى؟ فأجاب دون تردد: لا.
وربما أصدر نبى الله موسى إجابته السريعة تلك؛ اعتقادًا منه أنه لم يكن هناك على الأرض حينها أحد غيره له صلة بالسماء يأتيه الوحي من الله، وبالتالي هو يعرف ما لا يعرفه بقية البشر.. لكن الله أوحى إليه فورًا أن يا موسى: هناك من هو أعلم منك.. فتعجب من ذلك وسأل الله أن يدله على ذاك الذي هو أعلم منه.. فكانت قصته مع الخضر -عليه السلام التي تناولها القرآن الكريم في سورة الكهف..
حيث إن نبي الله موسى -عليه السلام– دفعه تواضعه مع الخضر لتعلم حكم ودروس معينة قصيرة، وكان بالإمكان أن يزيد عددها لو كان قد تحلى ببعض الصبر على مشقة التعلم مع الخضر، كما ورد عن النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم-: “رحم الله أخي موسى، لو صبر لأرانا من عجائب علم الله عند الخضر عليه السلام“.. فهل أدركنا أهمية أن نتعلم ممن عاشوا تجارب الحياة قبلنا؟!