كان الله فى عونك يا بلد
لن أقول إنه لم يحدث أبدا أن مرت مصر بمصائب من صنع أبناء لها ومكائد من صنع الطامعين فيها من الخارج، لن أقول أبدا لم يحدث أن ضاقت الحياة كما هي ضيقة علي الناس أجمعين فى الوقت الراهن، بل سأقول إن جيلي عاصر أزمات وهزائم ثم انتصارا وحيدا.
عشنا العدوان الثلاثي، وخرجت مصر بانتصار سياسي وليس عسكريا بفضل الموقف الأمريكي - وقتها وياللعجب- المناهض للاتفاق الخسيس بين الثلاثي فرنسا وبريطانيا وإسرائيل. وعشنا حرب اليمن، ثم حرب يونيو والهزيمة، ثم حرب الاستنزاف من 1967 إلى 1970، ثم حرب اكتوبر والانتصار العظيم، ثم الفتنة الطائفية فاغتيال الرئيس الراحل أنور السادات..
ثم حكم الرئيس مبارك الذي امتد من عام 1981 حتى عام 2011.. فترة ضرب فيها الإرهاب البلاد في قلب القاهرة ومحافظات الصعيد، ثم وقعت مذبحة الأقصر الرهيبة وذبح60 سائحا في معبد حتشبسوت، وبعدها بدأت مراجعات الجماعة الاسلامية، وحل الهدوء والاستقرار، وهي فترة عاشتها البلد في سلام..
ومع الوقت تحول الواقع من استمرار الاستقرار إلى استقرار الاستمرار، ومن الانصاف أن نقول أن المواطن المصرى عاش أصعب الظروف من بعد الهزيمة، وغلق قناة السويس وإحتلال سيناء، فلا دخل من القناة ولاعوائد بترول كافية ولا سياحة..
كوارث متكررة
وكان اللفظ المتكرر في خطب السادات هو المعاناة وشعبنا الصابر.. نعم صبرنا، وارتضينا بالفراخ المجمدة والمجاري الطافحة والتليفونات المعطلة، واللهاث على كرتونة بيض، ومع الانفتاح صار الأمر سداح مداح، وظهر المتسلقون والطفيليون والمهربون، ثم وقع الإغتيال يوم السادس من أكتوبر 1981.
كان عدو مصر الأوحد هو إسرائيل، التى عقدنا معها معاهدة سلام، ثم ظهر العدو الخفى الكامن وهو تنظيم الإخوان المسلمون.. وتمر السنين ونعلم ما جرى للبلاد من بعد الإطاحة بحكم الرئيس الراحل حسني مبارك، فتنتهز إثيوبيا الفرصة وتبنى سد النهضة..
والمثير للقرف أن من أبناء مصر ومن نفر غبى في نخبتها الوضيعة عقلا وأفقا من ذهب إلي الأحباش وشد على أيديهم مباركا بناء السد! إثيوبيا الأن تجثم علي إيراد النهر إلينا، تفتح أو تغلق.. هذا عدو.
غزة الأن مشتعلة، والخطر محدق، والاستفزاز يراوح، ويرقص علي بوابات رفح، فالعدو عاد.. وفي أية لحظة ربما تخرج الأمور عن السيطرة، جنوبا السودان الذى تمزقه الحرب الأهلية، وغربا ليبيا ذات الحكومتين والجيشين والرئيسين، جيش وبرلمان وحكومة وقائد عسكرى في بنغازي شرقا، ثم الدبيبة وجيشه وأتراكه وميلشياته في طرابلس!
ثم الكارثة التى تحل بنا يوميا جراء تحول السفن عن قناة السويس بسبب صواريخ الحوثيين في اليمن، يطلقونها علي السفن والحاويات الداخلة من باب المندب، مما أثر علي أسعار التأمين وتكاليف اللف حول رأس الرجاء الصالح، وكل هذا أثر علي دخل قناة السويس..
ضربتنا كورونا، ومن بعدها أوكرانيا، وضربة أوكرانيا مستمرة وموجعة، ثم الآن تراجع الدخل من قناة السويس وتراجع تحويلات المصريين في الخارج.. حزمة من التحديات إجتمعت علي البلد في وقت واحد.. لم يحدث قط أن تعرضت مصر لهذه الكوارث متلاحقة ومتزامنة..
كل هذا العبء يتحمله الناس في صبر ووطنية، ويتحمله بالقطع وبالوجع والقلق صانع القرار..
كان الله في عون الناس.. كان الله في عون صانع القرار.