محاكمة إسرائيل وإن طال الزمن
الموجع أن كل ما يجري على الهواء من إبادة جماعية في غزة مجرم دوليا، ومن وجهة نظر القانون الدولي هي حرب غير قانونية وغير مشروعة، فكيف يجوز للسلطة القائمة بالاحتلال أن تشن حربا على إقليم محتل وسكان محتلين، وبالتالي ليس هناك عذر لأحد بعدم معرفته بتلك المجازر.
مسؤولية قادة إسرائيل، وكل من شارك في جرائم الحرب التي ارتكبت ضد المدنيين في قطاع غزة، وجموع الشعب الفلسطيني، نص عليها القانون الدولي الإنساني، وهي قواعد استقرت عليها الأمم، وتوافقت عليها، وعددها 161 قاعدة، تضمن محاكمة إسرائيل أمام الجنائية الدولية، عن جرائم الحرب..
وهي جرائم ثابتة وموثقة، أخصها إستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، وأسلحة محرمة دوليا، والتهجير القسري، وقتل المصابين والأسري والعزل، وبالفعل أعلنت المحكمة الجنائية الدولية تقدم خمس دول أعضاء فيها بطلب التحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة..
وهذه ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها المحكمة طلبات للتحقيق في جرائم ارتكبتها إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد إنضمام دولة فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية في 2015، ما يعني أن الجرائم التي تُرتكب في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، أصبحت ضمن دائرة اختصاص المحكمة.
لكن المفارقة أنه رغم كل المعلومات والملفات والدعاوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم إسرائيل التي ارتكبتها خلال حروبها الأخيرة على قطاع غزة، فإن المحكمة لم تُدِنْ إسرائيل، بل لم تصدر أي مذكرة اعتقال بحق أي مسؤول إسرائيلي بمن فيهم نتنياهو.
عكس ما أقدمت عليه مع الرئيس الروسي بوتين فيما لم يتطلب إصدار الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه سوى اسبوعين، بعد أن تقدمت 39 دولة عضوًا في المحكمة بطلب التحقيق في الجرائم المرتكَبة داخل أوكرانيا.
جرائم حرب لا تسقط بالتقادم
ثم إن الوضع القانوني لقطاع غزة حتى الآن ينطبق عليه قانون الإحتلال الحربي اتفاقية عام 1907 واتفاقية جنيف 45 وكافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فكيف يجوز للدولة المحتلة أن تتضرع بحق الدفاع عن النفس؟ فحركات المقاومة لها أحقية الكفاح بكافة اشكاله في أي وقت وهو ليس عملا عدوانيا والشعب الفلسطيني يملك أحقية المقاومة بكافة أشكالها السلمية وغير السلمية..
وهناك تمييز ما بين حق المقاومة المشروع المرتبط بحق تقرير المصير وبين الإرهاب المنظم الذي تقوده السلطة القائمة بالاحتلال وعليه تقدمت خمس دول بطلب تحقيق في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة هي الدول الأطراف التي لها أحقية أما الدول غير الأطراف في هذه الاتفاقية لا يحق لها الطلب في فتح تحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني..
وبالتالي لابد للدول العربية والإسلامية الإنضام والتصديق على النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية حتى نخلق اجماعا دوليا ومؤثرا، وكذلك لابد للدول العربية أن تسن تشريعاتها الجزائية على تفعيل مبدأ الاختصاص القضاء العالمي، بمعنى الإعتراف بالاختصاص القضاء العالمي..
وهذا استنادا لنص المادة 146 وكل الدول العربية والاسلامية ودول العالم منضمة إلى اتفاقية جنيف الرابعة، وهذا النص في المادة 146 يلزم الدول بسن تشريعات جزائية لمسائلة وملاحقة جرائم حرب وجرائم من يرتكب إبادة جماعية، وجرائم ضد الانسانية بدل من أن نطالب ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وكندا بأن تحاكم هذا المجرم أو ذاك..
وحتي التعلل بأن تلك المحاكمات لا تنفذ بفعل الفيتو الأمريكي فالقضية تكمن في المجتمع الدولي وفي الانتقائية وفي المعايير المزدوجة، وضعف وتهميش دور ومبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الانساني وحقوق الانسان، وهذا ما تم في الجمعية العامة التي اتخذت قرارا استنادا لقرار الإتحاد من أجل السلم بأغلبية 120 دولة لوقف هذه الحرب العدوانية ولم تلتزم به إسرائيل..
فالمشكلة تكمن في آليات تطبيق واحترام القانون الدولي، والقانون الذي يحكم العلاقات الدولية هو قانون القوة، وليس قوة القانون، وبالتالي هذه إشكالية عالمية وهذه دعوة إلى دول العالم من أجل إجبار وإلزام إسرائيل وإلزام الولايات المتحدة الامريكية بإحترام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وبخلاف ذلك سيسود قانون الغابة في العلاقات الدولية بين الدول، غير أن الأكيد أن إسرائيل ستحاكم وإن طال الزمن، ذلك لآن ما تمارسه جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.