أزمة السكر وسياسة الثلاث ورقات
تشهد مصر أزمة في أسعار السكر الذي يعتبر من السلع الأساسية للأسرة المصرية؛ لذا فهو سلعة استراتيجية حيوية للدولة كلها، وبعد أن كان سعر الكيلو يتراوح بين 16 إلى 20 جنيها منذ أشهر بسيطة فجأة يصل سعر الكيلو إلى 50 جنيها بصورة غير طبيعية، ونجد تبريرات حكومية غير دقيقة..
حيث تصرح الحكومة أن السبب في ذلك الارتفاع يرجع مباشرة لارتفاع الأسعار عالميا لأعلى مستوى مسجل لها منذ العام 2011 في جميع أنحاء العالم، على أثر انخفاض الإمدادات العالمية بعد أن أضر الطقس الجاف بشكل غير معتاد بالمحاصيل الزراعية في الهند وتايلاند ثاني وثالث أكبر مصدرين للسكر في العالم.
كما أن الأسعار تخضع للعرض والطلب، وأن الإنتاج هذا العام لم يقل عن العام الماضي لكن ثمة متغيرات طرأت على السوق ووصلت بسعر السكر وغيره إلى مستويات غير مسبوقة.
فسعر صرف الجنيه أمام الدولار انخفض بنسبة 50% تقريبا من العام الماضي إلى الآن، والكثير من مستلزمات الإنتاج يتم استيرادها وارتفعت تكلفتها بسبب سعر الصرف.
كما أن شركات السكر تستهلك الغاز الطبيعي وتسدد فاتورته بالعملة المحلية ولكن بما يوازيها بالدولار الأميركي ومصنع السكر يستهلك في المتوسط طاقة تعادل 10 ملايين متر مكعب من الغاز سنويا، وتتراوح حصة الوقود من تكلفة إنتاج طن السكر حاليا ما بين 2000 و2500 جنيه.
صادرات مصر من السكر
وسعر بنجر السكر ارتفع بنحو 150% خلال الموسم الماضي ليصل إلى نحو 1500 جنيه للطن، وارتفعت تكلفة مواد التعبئة والتغليف "الأجولة" لأن معظمها من البولي بروبلين والبولي إيثلين وهى منتجات ارتفعت أسعارها بسبب ارتفاع أسعار النفط، كما أنها أيضا تستورد في الغالب.
هذه هي تبريرات الحكومة وأهمها ارتفاع السعر عالميا، لكن هذا التبرير غير دقيق لأن ذلك الأمر يصدق على السلع التي نستوردها كلها من الخارج أما أن تكون السلعة معظمها ينتج داخليا فهنا يكون التبرير غير دقيق، وإذا كانت أسعار بعض مدخلات المنتج زادت داخليا فلا يمكن أن تزيد بصورة تضاعف من سعر المنتج الأساس أضعاف كثيرة..
فإنتاج مصر من السكر يبلغ نحو 2.8 مليون طن منها 1.8 مليون طن من بنجر السكر، وحوالي مليون طن من قصب السكر، والمزارعون باعوا القصب هذا العام بـ 1100 جنيه للطن، وطن قصب السكر ينتج 120 كيلوجرامًا من السكر؛ ما يعني أنهم باعوا كيلو السكر بما يقارب الـ 10 جنيها، والفجوة بين الإنتاج والاستهلاك تتراوح من 400 إلى 800 ألف طن، فهي فجوة صغيرة، وهو ما يحدد حجم وطبيعة التأثر بالأسعار العالمية.
فبالحسابات كيلو السكر لا يزيد على 11 جنيها ومعظمه منتج محلي، وصار ملكا في غالبيته لوزارة التموين تطرح منه الكثير في المجمعات والمحال غير التموين، وبالتالي هي المتحكم الأول في تسعيرته، فلماذا فجأة يرتفع سعره إلى 50 جنيها؟ لاشك أن هناك فساد يظهر جليا في ذلك الموضوع، فمن الذي باع السكر لبعض المحتكرين الذين تحكموا في السعر وأوصلوه إلى 50 جنيها؟
وطبعا بعد فترة تبدأ الحكومة في التحرك الإعلامي ومحاربة الاحتكار واستيراد كميات من الخارج، وتطرح كيلو السكر بسعر 27 جنيها حتى يشكرها الناس على هذا السعر بالمقارنة ب 50 جنيها، وفي الحقيقة أن هذا السعر الذي تقدم به الحكومة المنتج مبالغ فيه كذلك ولكنها سياسة الثلاث ورقات..
حيث تسمح الحكومة للمحتكر فيخزن ذلك المنتج ويسحبه من السوق فيرتفع سعره إلى 50 جنيها، ثم تظهر الحكومة الشفقة فتنزل بالمنتج ذاته بسعر 27 جنيها، فتكون حققت ارتفاعا كبيرا في سعر المنتج وفي نفس الوقت جعلت الناس يشكرونها لأنها حمتهم من سعر 50 جنيها، ولا يدري الناس أن الحكومة هي وراء ذلك.
وعلى ذلك فلا جدوى من المطالبة بالرقابة، فمن سيقوم بالرقابة، طبعا الحكومة التي سمحت بتلك الألاعيب لتحقق مكاسب مع المحتكرين، وترفع الأسعار بطريقة سحرية، ولا جدوى من المطالبة بزيادة مساحة زراعة بنجر السكر أو قصب السكر، فالمساحة المنزرعة كافية لتغطية الاستهلاك، وحتى أننا نصدر من السكر للخارج..
فقد أظهر تقرير التجارة الخارجية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري في يوليو الماضي أن إجمالي صادرات مصر من السكر ومنتجاته خلال الأربعة أشهر الأولى من عام 2023 بلغت 165.83 مليون دولار. فلا يوجد مبرر حقيقي لارتفاع أسعار السكر في مصر، وإنما هناك فساد واستغلال للأزمة الغذائية العالمية من قبل كبار التجار، الذين احتكروا سلعة السكر تساعدهم في ذلك الحكومة، ولك الله يا مصر.