من لا يتألم فهو ميت!
حين نجد بعض شعوب الغرب أكثر اهتماما وربما أكثر ألما ورفضا لما يجرى لإخواننا في غزة، وربما هو أكثر حماسة لقضية فلسطين من كثير من العرب أنفسهم.. فإن شعورا بالخيبة يصدمنا.. فهل تبلدت مشاعرنا.. أم ماتت لكثرة ما اعتادته من جرائم قتل للأشقاء في فلسطين تارة وفي العراق تارة ثانية وفي الصومال والسودان وليبيا واليمن ولبنان تارات أخرى؟
هل تعايشنا مع الألم حتى مات الشعور به؟ أهو الهوان الذي حدثنا عنه المتنبي قبل ألف عام حين قال في بيت شعرى خالد: من يهن يسهل الهوان عليه... ما لجرح بميت إيلام
ربما يكون السؤال أيضا: وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟! لقد اعتدنا مشاعر الألم حتى باتت أفظع مشاهد الدم والإبادة التي تجرى ليل نهار وعلى مدى أكثر من شهر لإخوتنا في غزة لا تحرك فينا ساكنا حتى لو تكررت بأي درجة كانت؟!
والسؤال: ماذا ينتظر العرب.. هل ينتظرون طائفا من السماء أو صاعقة تصيب إسرائيل كما أصابت عادا وثمود.. ألم ينته زمن النبوات والمعجزات.. أم نظن أن العيش في سلام يلزمه الصمت على إلتهام جزء غال من أوطاننا؟!
ماذا ينتظر العرب؟
من يأمن مكر هؤلاء الغاصبين إذا ما فرغوا من تلك الجريمة أن يكفوا أيديهم عنا.. ولا يجدوا ألف حجة وحجة لقضم أراضينا جزءا جزءا بمعاونة المستعمر الأكبر الذي يدير المعركة الآن بلا مواربة رافضا مجرد هدنة إنسانية يسترد بمقتضاها أكثر من مليوني جائع وعطشان وجريح ومكلوم أنفاسه ويعود للحياة من ظلمات الموت الحالك الذي يتجرعه أهله في كل لحظة.. أتظنون الصمت نجاة.. هل يدوم الظلم للأبد؟!
دائما ما يغفل الظالمون المستضعفون أيضا حقيقة مهمة وهي أن المقادير تجرى بإرادة الله ومشيئته؛ وهذه قاعدة لا مراء فيها ولا ريب؛ صحيح أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. لكن الصحيح أيضا أن الله بالمرصاد للظالمين ولو بالصمت والتواطؤ؛ وأنه سبحانه لا يصلح عمل المفسدين ولا يرضى بالظلم ولا يحب الظالمين وإنما يمهلهم حتى إذا أخذهم لم يفلتهم وأن الجزاء من جنس العمل..
وهذه ليست عظة دينية وإنما عظة تاريخية.. واقرءوا إن شئتم كيف مات الجبابرة ومن ارتكبوا جرائم كبرى على مر التاريخ.. هل ماتوا ميتة سوية أم انتقم الله منهم وأذاقهم عذابا كالذي أذاقوه للناس.. فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
وهنا يقول العزيز الحكيم في حديثه القدسي: "يا عبادي حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".. لكن مثل هذه القناعة على أهميتها ينبغى أن تحفزنا للعمل على نصرة إخوتنا في فلسطين كلها بكل الطرق.. فسفك دم مسلم واحد أشد حرمة عند الله من هدم أستار الكعبة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق". وروي بلفظ: لهدم الكعبة حجرًا حجرا أهون من قتل مسلم.
فما بالنا ومئات الأرواح تسفك في كل يوم.. وبعضنا للأسف لا يزال يقيم الحفلات ويكتفي بالتنديد اللفظى والشعارات.. أين ذهبت النخوة.. أين روابط الدم والدين واللغة.. بل أين الإنسانية التي يتألم بعضها لموت حيوان أو معاناته؟!
صدقوني من لا تهزه مشاعر القتل والإبادة الجماعية لأشقائنا في غزة ومن لا تبكيه فظاعة ما يلقاه الأطفال والنساء من أهوال.. وما يجده المصابون من آلام تفوق الاحتمال نتيجة إجراء الجراحات دون تخدير.. صدقوني من لا يهتم لذلك ويتألم فليراجع ضميره فإنه معطوب، أصابه خلل جعله أشد من الحجارة قسوة.. والسؤال: ضع نفسك مكان هؤلاء هل كنت ترضى بأن يتفرج عليك أهلك وأنت تؤكل بلا رحمة؟!