النصر أو الشهادة!
فى وقت الانتصار يصبح الجميع أبطالا، والبطولة على كل لسان، ويدعيها كل فرد، ولكن البطولة فى وقت الهزيمة أقوى وأكثر عمقا وأكثر تقديرا، في كتاب "ذئب في قرص الشمس" للكاتب الكبير محمد عبدالمنعم صورا كثيرة للبطولة في وقت الهزيمة..
شباب لم يستسلم مطلقا وضحوا بحياتهم رافضين الاستسلام، ففى مطار المليز، كانت الطائرات الصهيونية تقذف المطار والطائرات من كل جانب، وأصبح الدمار في كل مكان، ولكن وسط هذه العتمة يخرج من بين الطيارين، شاب أسمر بلون طمى نيل مصر، نحيف اسمه سعيد عثمان عمره لا يتجاوز 21 سنة..
ملازم أول حديث التخرج، يصعد إلى كابينة طائرته الميج 21 ويصرخ في وجه الفنيين الأرضيين "دور الطيارة " ويختلط صوته بصوت القنابل والمدافع، بل إن صوته كان أعلى وأقوى، وسارع الفنيين بطاعة الأوامر، السماء تزدحم بطائرات العدو فماذا سيفعل بمفرده؟
تدور المحركات وينطلق مثل السهم هذا الشاب لم يفكر إلا في إبعاد الطيران الصهيونى عن قاعدته، ويقتحم تشكيلات العدو بجسارة غريبة مذهلة، وينجح في تفكيك هذه التشكيلات ويصيب أكثر من طائرة للعدو وتتصاعد منها الدخان، كانت يتعمد الاصطدام بطائرات العدو حتى تتفكك التشكيلات ويبتعد العدو عن قاعدتهم..
ظل يناور ويناور ويناور إلا أنه فى النهاية مستحيل التغلب على عدد من تشكيلات العدو، وتمكن العدو من طائرته، وتم إصابتها بالصواريخ والرشاشات ومعها يستشهد الشاب الذى لم يتجاوز عمره 21 سنة، البطل سعيد عثمان ابن النيل.
أبطال أبوصوير
في مطار ابوصوير، كان النقيب طيار عبدالمنعم مرسى، كاد يجن عندما رأى طيران العدو يقترب ويرسل صواريخه للقاعدة، وبالرغم من أن الطائرة تحتاج أكثر من ألف متر للإقلاع، إلا أنه بسبب قصف العدو لم يكن هناك سوى أقل من 500 متر فقط، إلا أنه قفز في الطائرة، وقام بحيلة مجنونة انتحارية..
قام بتشغيل ماكينة الطائرة على أقصى سرعة في نفس الوقت الذى أمسك بفرامل الطائرة، ومرة واحدة ترك الفرامل لتنطلق الطائرة كالصاروخ، ثم جذب عصا القيادة إلى أعلى في الجو قبل أن يتجاوز ال500 متر في الممر المدمر، ولكن ماذا حدث؟
البطل بطائرته منفردا وفوق رأسه الطيرانى الصهيونى، دارت معركة انتحارية، غير متكافئة على الاطلاق، ولكن بايمانه بالدفاع عن تراب وطنه، وعقيدته الايمانية النصر أو الشهادة، اصطدم مع طائرات العدو وأسقط طائرتين، ولكن الوقود وصل إلى مرحلة الخطر..
كان يمكنه القفز بالمظلة وتسقط الطائرة، ولكنه حاول الحفاظ عليها أيضا لأن مصر تحتاج أى طائرة بعد تدمير طائرتنا على الأرض، فحاول المستحيل بأن يهبط بالطائرة سليمة فوق بقايا المطار المدمر، إلا أن طائرته سقطت في حفرة كبيرة، وانفجرت الطائرة ونال الشاب المصرى ابن نيل مصر الأسمر الشهادة ليلحق بموكب الابطال الشهداء ولكنه قام بعمل فذ بطولى بتصديه للعدو واسقاطه طائرتين!
ملحمة أبطال إنشاص
في مطار انشاص، كانت هناك ملحمة من أبناء مصر الأشداء، المقدم طيار سامى فؤاد قائد اللواء الجوى بالقاعدة، لم يختبأ أو يبتعد عن المواجهة، بل قام بقيادة طائرة بنفسه فى محاولة لانقاذ المطار وإشتبك مع أربعة طائرات، وأسقط احداها، إلا أن صاروخا أصاب طائرته فسقطت الطائرة وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها بعد أن قدم القدوة والنموذج للأجيال القادمة في القوات الجوية ولشباب مصر.
من نفس القاعدة خرج الرائد طيار حسن القصرى الذى كان يعد من أكفأ الطيارين على "الميج 21" الذى أقلع بطائرته إلى قلب سيناء في عملية يطلق عليها "قنص حر" وإستطاع الاشتباك مع تشكيل للعدو من طائرات الميج، استطاع إسقاط احداها، وبعد مناورات مع بقية التشكيل استطاعوا اصابة الطائرة وسقوطها واستشهد البطل العظيم حسن القصرى ليلحق بموكب شهداء الوطن الذين أعطوا لنا الحياة.
في نفس القاعدة استطاع رجال المطار من دفع أربعة طائرات سوخوى إلى حدائق الفاكهة المحيطة بقاعدة إنشاص، وبهذا انقذوها من التدمير على الأرض، وفى نفس القاعدة كان العقيد طيار تحسين زكى الرجل الذى تخطى الاربعين، ولكنه كان يتحرك بروح وحيوية شباب فى العشرين، كان يقوم بهجمات بتشكيل من أربعة هو ويختار ثلاثة من الطيارين فى كل مرة..
كان ينقض على المدرعات الصهيونية التى تحاول الاقتراب من الساحل من سيناء، حتى وصل به الأمر إلى فقده صوته من الانفعال والحزن، واستطاع البطل تحسين زكى المحافظة على التشكيل سليما حتى نهاية أيام الحرب حتى تم وقف القتال، يقول اللواء حمدى مقلد “إن البطل تحسين زكى من أكفاء وأشجع أبناء مصر الافذاذ”!
هذه الكلمات أعيد كتاباتها حتى نتذكر أبطالنا العظام.