غزة، مؤامرة الترانسفير.. ما أشبه الليلة بالبارحة
مؤامرة التهجير القسري لأهالي قطاع غزة ليست وليدة الأمس، بل يتم التخطيط لها منذ زمن بعيد.. البرهان بعث به إليّ الصديق اليمني، الكاتب الصحفي الكبير نزار الخالد، رئيس تحرير صحيفة وموقع المنتصف، ورئيس اتحاد الإعلاميين الأفريقي الآسيوي.
الخالد أرسل لي بالنصف العلوي من صحيفة الدستور الأردنية، العدد 1042، بتاريخ الأربعاء 11 مارس- آذار سنة 1990، 7 محرم سنة 1290.
مانشيت العدد يقول: بدء تفريغ قطاع غزة من السكان، والعنوان التفسيري: اتصالات عربية عاجلة لوقف الخطة الإسرائيلية ضد 300 ألف مواطن عربي في القطاع.. وعلى يمين الصفحة مقال (رأي الدستور).. بعنوان عملية تهويد جديدة.
لم أتمكن من قراءة باقي التفاصيل؛ نظرا لصغر حجم الحروف، وضبابيتها.. لكني أدركت أن المؤامرة ليست وليدة الليلة، ولا الأمس القريب، وأنه ما أشبه الليلة بالبارحة.
نزح مليون فلسطيني منذ بداية الحرب على غزة، بهذه العبارة وصفت الأمم المتحدة نتيجة القصف الإسرائيلي على غزة ومطالبتها بإخلاء شمال القطاع.. ويمكن القول إن هذه أولى النتائج الاستراتيجيّة لعملية السيف الحديدي التي أطلقتها دولة الاحتلال، للرد على طوفان الأقصى..
فإلى جانب القصف الوحشي الذي وصلت شدته إلى ربع قنبلة نووية، حسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، دفعت أوامر إخلاء القسم الشمالي من القطاع والاتجاه جنوبًا، آلاف العائلات إلى ترك بيوتها أو اللجوء إلى مدارس الأونروا خوفًا على حياتهم من القصف.
فكرة الترانسفير
ما تشهده غزّة يمكن أن ينطبق عليه تعريف محكمة الجنايات الدوليّة لـ الترحيل الإجباري-forced relocation، وهو ترحيل المواطنين المدنيين من مكان الى آخر كجزء من هجوم منظم، وهي جريمة ضد الإنسانية، وهذا ما سبق أن أدانته الأمم المتحدة حين قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتهجير فلسطينيين من القدس الشرقيّة وصادر منازلهم.
فكرة الترانسفير، أي ترحيل الفلسطينيين، قديمة، تعود إلى نهايات القرن التاسع عشر حين طلبت الحركة الصهيونية من السلطان عبد الحميد الثاني قطعة أرض في فلسطين ليسكنها اليهود مقابل مبلغ مالي..
توالت بعدها الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين، لكنها أخذت شكلًا ملموسًا خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين في عام 1922، حينها بدأت البؤر الاستيطانية تضع أسسها على أرض فلسطين، وصولًا الى إعلان انتهاء حقبة الانتداب وبداية حقبة الاحتلال..
ونتلمّسها بوضوح في كتاب بين هورين الذى يحمل عنوان الشرق الأوسط، تقاطع التاريخ الصادر عام 1943، والذي يتحدث عن العراق بوصفه المكان الأكثر احتمالًا لاستقبال الفلسطينيين، وربما هذا ما حدث عام 1948 في النكبة، حين حدث ترانسفير الشعب الفلسطيني، وتم تهجيره.
ويكشف مقال منشور عام 1988 لإسرائيل إيلات، وهو عضو في جماعة ليحي - المقاتلون من أجل حرية إسرائيل، عن استعداده لخوض حرب أهلية في إسرائيل للوقوف في وجه هذه الفكرة الرائجة حينها.
ثم عادت هذه الفكرة على مستوى دولي عام 2017، إذ يذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عكفت على إعداد خطة زعم ترامب أنها النهاية للصراع العربي – الإسرائيلي، لتصدر آنذاك تصريحات دولية وإعلامية عدة تناولت صفقة القرن، والتي تلخصت في حل القضية الفلسطينية، وانتشرت نظريات عن منح جزء من سيناء للفلسطينيين، الأمر الذي نفاه مبعوث ترامب للشرق الأوسط حينها، جايسون جرين بلات.
الرئيس عبد الفتاح السيسي، تنبه مبكرا إلى تلك المؤامرة الشنيعة، ورفَضَها، وصمَّم على إجهاضها.. والرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر عن رفضه الكامل لتهجير السكان من غزة، محذرًا من نكبة ثانية.
كما قال عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، إن الموقف المصري مما يحدث في قطاع غزة، والتصدى لمخطط تهجير السكان قسريا إلى سيناء، يحظى بتأييد كافة المواطنين.. موسى وصف تفريغ الأراضى المحتلة من سكانها بأنها جريمة حرب.
هي فعلا جريمة حرب، وفكرة قديمة وجديدة، تخطط لتنفيذها دولة الاحتلال، لكن مصر لها بالمرصاد، وستظل سيناء مصرية، وستعود فلسطين بكاملها لأهلها الحقيقيين، فالاحتلال مهما طال، فهو إلى زوال.