اقتراح السيسي الذكي يطأ جراح النقب
لم يكن اقتراح السيسي بحثا عن حل إسرائيل تجاه سكان غزة، ولا درءا لتهديدات نقل الغزاويين لسيناء، بل كان من الذكاء لدرجة نكئ جراح قضية النقب المنسية، تلك المنطقة التي تقطنها تاريخيا، عشائر عربية ترتبط اجتماعيا بقبائل سيناء، وشبه الجزيرة العربية، والأردن.
وتبلغ مساحة منطقة النقب نحو 14 ألف كيلو متر مربع، أي أكثر من 50 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27 ألف كيلو متر مربع. وأعتبر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر منطقة النقب من أقاليم سيناء المنهوبة وأنه لا بد من تحرير هذه الجزء من سيناء وإرجاع هذا الإقليم إلى السلطة العربية..
وكان ل لنقب مكانة خاصة في الوعي لدى ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال، فمنذ أن تجول فيها عام 1935، وهو يرى أن هذه المنطقة تعتبر جزءا حيويا لدولة إسرائيل. ومنذ النكبة عام 1948، خطط بن غورين لاحتلال النقب وإيلات (أم الرشراش)، اللتين تعدان بمثابة ممر إلى البحر الأحمر (البحر الثاني لإسرائيل بعد المتوسط).
وهناك خطط عديدة في أرشيفاتهم، مثل جلب مياه النيل إلى النقب، وتحلية مياه البحر الأحمر والأبيض، حتى إنشاء طريق تجاري يُنافس قناة السويس! سيظل المحتلون يبتدعون المشاريع.
وهناك مخطط برافر الذي يقضي بتهجير 40 ألف فلسطيني والاستيلاء على أراضيهم
البالغ مساحتها نحو مليون دونم في صحراء النقب..
فلسطينيو النقب الأشد بأسا
ويستهدف المخطط إلغاء حق عودة القبائل البدوية إلي أراضيها في النقب وبقاءها فيها. فبدل الإعتراف بالقرى القائمة وغير المعترف بها، فإنهم يطالبون بهدها وإخلائها لإقامة مستوطنات يهودية، بعد أن سيطرت إسرائيل على 95 بالمئة من أراضي المنطقة، وتحاول اليوم الاستيلاء على النسبة المتبقية التي يعيش عليها نحو 300 ألف نسمة هؤلاء يُشكلون 32 بالمئة من سكان النقب، نحن نتحدث عن ثلث عدد السكان، يعيشون على 5 بالمئة من الأرض.
كانت حكوماتُ إسرائيل ترى في فلسطينيي النقب الأعداءَ الأشد بأسا، وأن بقاءهم فوق أرضهم سيحرم إسرائيل من ثروات النقب! لأنهم يتكاثرون بسرعة أكثر من اليهود، إذ أن معدل ولادة المرأة تصل إلى اثني عشر مولودا، وهم كذلك أصدقاء للبيئة، إذ أنهم يتمكنون من العيش بأبسط الوسائل، وأنهم لا يحتاجون إلى خدمات سكان المدن والحواضر..
وهم منتجون يجيدون فنونا لا مثيل لها في مجال الحياة كلها! لأجل ذلك نشطت المؤامرات عليهم، بدأت بالتسمية، فقد أخرجوهم من فلسطينيتهم ليصبحوا في التسميات الرسمية؛ بدو النقب، وأسس لهم وزارة خاصة، ثم حاصروهم، وجوعوهم، وسلبوا أرضهم، وشردوهم، ثم أغروا بعض الشباب بالعمل ضمن فرق الجيش في كتيبة (قص آثار الأقدام) حتى يفصلوهم عن فلسطينيتهم..
لم يكتفوا بذلك بل قسموهم إلى قبائل وعشائر، ودسوا بينهم من يشعل الفتنة، ويُعمم السرقات، ونشر السلاح، والإدمان، وهذه الخطط ادخرت النقب لتأسيس إمبراطورية إسرائيل اليهودية الكبرى في الوقت المناسب، وها هو الوقت المناسب قد اقترب..
إذ أن قول بن جريون في خمسينيات القرن الماضي ظل يلح علي عندما قال: "إذا لم تنجح إسرائيل في محو صحراء النقب فإن صحراء النقب ستمحو إسرائيل نفسها"! هذا يعني بالتأكيد ترحيل سكان النقب، تمهيدا لإسكان أكثر من خمسة ملايين مهجر يهودي جديد!
واستمرت محاولات حكومة بن جريون وشاريت، وجولدا مائير كل المحاولات لإلغاء صحراء النقب بإشغالها بالمستوطنات، غير أن عدد المهاجرين اليهود لم يكن كافيا، حتى أنهم حاولوا أن يدخلوا فلسطينيي النقب الدين اليهودي، واعتبروا بدو النقب هم من سلالة أتباع النبي موسى الوارد ذكرهم في التوراة، لكنهم فشلوا! كما أنهم هدموا المراكز الفلسطينية والمساجد، وهدموا قصور شيوخ قبائل فلسطين، وغيروا كل معالمها الحضارية ليقولوا: إن صحراء النقب لن تتحضر إلا بإزالة ساكنيها البدو!
كما حاولت حكومة جولدا مائير، ووزير دفاعها، موشيه دايان عقب حرب 1967م تأسيس دولة خاصة للبدو في سيناء في شهر أكتوبر 1968م، كانت الغاية من دولة البدو، تفريغ النقب من ساكنيه وترحيلهم إلى سيناء، ظنوا أنهم اشتروا ولاء البدو، غير أن البطل الشيخ، سالم الهرش أفشل هذه الخطة، وأكد على تبعية سيناء لمصر! حتى أن مركزا بحثيا إسرائيليا حاول إخراج فلسطينيي النقب من جيناتهم الفلسطينية، حين أثبت بأن 67 % من جينات بدو النقب تشابه جينات إخوتهم في سيناء.